صدر أمس بيان عن المدير العام للمناقصات جان العلية يحذّر فيه من ضغوطات تهدف إلى تعطيل تطبيق قانون الشراء العام والتحكّم في مسار الصفقات العمومية لفرض عارضين محددين واستبعاد آخرين. ما يقصده العلية هو مزايدة السوق الحرّة في مطار بيروت الدولي التي تنطلق قريباً بعدما صدر قرار حديث لمجلس شورى الدولة يبدو أقرب ليكون غبّ الطلب لأنه يأتي بعد انتهاء فترة التلزيم لينقض قراراً سابقاً رفض الطعن المقدّم من شركة استبعدت من المشاركة بسبب عدم نقص في أوراقها.
تقدّم وزير العدل هنري خوري بإخبارٍ أمام النيابة العامة التمييزية، يتّهم فيه المدير العام لإدارة المناقصات في التفتيش المركزي جان العلية على خلفية قرار صادر عن مجلس شورى الدولة في 26 أيار 2022 ويقضي بإبطال نتائج مزايدة تلزيم السوق الحرّة في عام 2017 والتي بنتيجتها فازت شركة يملكها محمد زيدان بقيمة تفوق 100 مليون دولار. اللافت أن مجلس الشورى نفسه، كان قد رفض الطعن المقدم من الشركة المنافسة التي تم إقصاؤها بسبب عدم أهليتها والنقص في أوراق التقديم وأبرزها شهادة الإيزو المطلوبة. يومها حاولت الشركة تقديم شهادة إيزو مخصصة لشركة تدير مطار في الكويت، باعتبار أنها لديها شراكة معها، لكن مجلس الشورى رفض هذا الطعن بالاستناد إلى مواد دفتر الشروط التي لا تسمح باعتماد شهادة إيزو لشركة ستقدمها لشركة أخرى في مناقصة أخرى.
لكن اللافت أن هذه القضية ظهرت مجدداً، وأن وزير العدل يحاول التعامل معها، دوناً عن كل ما يحصل في البلد من موبقات، باعتبارها دعوى فساد وتقاعس ضدّ جان العليّة. طبعاً وزير العدل لم ينصّب نفسه يوماً، من أجل العدالة في آلاف الدعاوى المجمّدة ضّد المصارف، إنما يتدخّل علناً من أجل مناقصة ما.
ففي الوقائع، يتبيّن أن ديوان المحاسبة قد وافق على مشروع تلزيم مزايدة السوق الحرة رغم الاعتراضات عليها، لا بل اعتبر الديوان أن قرار التريّث في اتخاذ القرار لحين انتهاء الإجراءات القضائية (المعني بها مجلس شورى الدولة) «واقعاً في غير موقعه القانوني»، لأن الديوان هو محكمة إدارية تتولى القضاء المالي عبر أساليب رقابية عدة… وبتوقيع القاضي شكري صادر، أصدر مجلس شورى الدولة قراراً يخلص إلى الآتي: «إن قرار لجنة المناقصات المشكو منه برفض عرض المستدعية، لا ينطوي على إخلال بالمنافسة التي تخضع لها الصفقات العمومية»، مشيراً إلى أن «طلب المستدعية يكون بالتالي مستوجباً الردّ». هذا ما أصدره صادر في 23 أيار 2017. لكن بعد بضعة أشهر، وتحديداً في 13 تموز 2017، قرّر القاضي ألبرت سرحان أن يعتبر العقد مبرماً مع العارض الذي رسى عليه الالتزام ووافق عليه ديوان المحاسبة.
وكانت الشركة الفائزة سابقاً، أي شركة (فينيسيا) المملوكة من محمد زيدان رفعت بدل الاستثمار من 15 مليون دولار إلى أكثر من 100 مليون دولار سنوياً. وهو أمر أثار غضب الكثير من العارضين، وأبرزهم شركة «وورلد ديوتي فري غروب» التي استبعدت بسبب النقص في أوراقها ولا سيما شهادة الـ»إيزو»، إذ أبرزت شهادة عائدة لشركة أخرى. بحسب مصادر مطلعة، فإنه في تلك الفترة، تلقى العلية اتصالاً من أحد السياسيين للضغط عليه لأنه أخرج شركة عالمية من المزايدة، وتزامن ذلك مع إصدار وزير العدل آنذاك سليم جريصاتي تعقبات بحق شركة محمد زيدان وحفظها في النيابة العامة في محاولة لمنعها من دخول المناقصة. وكان الأمر نفسه محور الطلب من السياسي العلية، إلى أن الأخير أجاب بعدم إمكانية منع أي شركة من دخول المناقصة طالما أنها استوفت الشروط.
وما يثير الريبة أيضاً أن خطوة خوري تأتي قبل إجراء مزايدة جديدة للسوق الحرة يوم الخميس المقبل، وقبل أسابيع من تحوّل جان العلية إلى رئيس هيئة الشراء العام كما ينص قانون الشراء العام الذي يبدأ تنفيذه في 29 الحالي. العلّية يرى أن تحريك الملف اليوم واتهام إدارته بالتقاعس قد يكون لـ«بث عدم الثقة به كرئيس لهيئة الشراء العام، في ظل حكومة تصريف أعمال لا يمكنها تعيين بديل وتالياً الالتفاف على موعد بدء تنفيذ قانون الشراء العام»، الذي يحد من عمليات الشراء بالتراضي في القطاع العام، والذي بقي سنوات ثلاث في مجلس النواب قبل إقراره وسط معارضة جهات سياسية ومحاولة طعن لم تنجح يومها أمام المجلس الدستوري.
وكان العلية قد وجّه كتاباً إلى هيئة القضايا في وزارة العدل باعتبارها الجهة التي تمثّل حقوق الدولة، طالباً إعادة المحاكمة بشأن قرار «الشورى» الأخير، القاضي بإبطال عقد المزايدة منبهاً من أن عدم إعادة المحاكمة سيرتب أعباء مالية على الدولة من قبل شركة محمد زيدان التي حكم لها في 2017 بفوزها بالمزايدة، وقد تطلب استيفاء الفرق بين المبلغ الذي كان يُدفع قبل مزايدة 2017 (15 مليون دولار) والمبلغ الذي دفعته على مدى خمس سنوات (100 مليون دولار). كما من الممكن بحسب العلية للشركة التي استبعدت «من دون وجه حق» بحسب مجلس الشورى أن تطالب بتعويض عن ربح على مدى 5 سنوات، ما يرتب 500 مليون دولار بالحد الأدنى على الدولة. وفي حال لم تتحرك هيئة القضايا خلال شهرين يعتبر قرار مجلس الشورى مبرماً، ويصبح لزاماً دفع نصف مليار دولار «إما نتيجة جهل وإما مسايرة لأحد ما».
الاخبار