منذ بدء الأزمة المالية والاقتصادية في تشرين الأول العام 2019، هرع المواطنون إلى المصارف لسحب ما تيسر لهم من الأموال بالعملتين اللبنانية والأجنبية ولو بخسارة كبيرة، وإذا احتسبنا الأموال التي حوّلت استنسابياً إلى الخارج بعد هذا التاريخ، والمقدّرة بنحو 8 مليارات دولار مع الأموال التي سحبت في الداخل بالإضافة إلى تسديد قسم من القروض المستدانة من المصارف بودائع مصرفية، تكون كتلة أموال المودعين بالدولار قد تراجعت بنحو 40 ملياراً، لتبلغ الآن قرابة المئة مليار.
تنوّعت عمليات سحب الاموال بالدولار بعد تحويلها الى العملة اللبنانية وفق السعر الرسمي والتعميم 151 وتعديلاته، وكذلك التعميم 158 الذي أتاح للمودعين بشروط معينة سحب مبلغ 800 دولار شهرياً موزع مناصفة بين الدولار الفريش والعملة اللبنانية على سعر 12000 ليرة للدولار.
خلال هذه الأزمة نشطت عملية بيع وشراء الشيكات المصرفية بين المواطنين لغايات تجارية وبأسعار مختلفة، بدأت بنسبة 55% من قيمتها الحقيقية لتصل الآن إلى نحو 15 %.
وهنا يُطرح سؤالان، لماذا تباع الشيكات بهذه الأسعار البخسة؟ ومن هي الجهة المستفيدة من شراء الشيكات؟ الجواب عن السؤال الأول، يكمن في الحاجة الملحّة لبعض المودعين، ولرغبة كبارهم بالتخلّص من جزء من ودائعهم تحسّباً لأيّ عملية هيركات محتملة، أمّا الجواب عن السؤال الثاني، فبالتأكيد ليس المستفيد هو البائع الذي يخسر نحو 85 % من القيمة الحقيقية للشيك، ولا المصارف التي تتنقل فيها الأموال بين مصرف وآخر بالقيمة نفسها، بل المستفيد الوحيد هو الشاري الذي يراهن على تحسن قيمة الشيك مستقبلاً، أو يريد تسديد قرض مصرفي بقيمة مخفّضة للغاية.
لا يحتاج الأمر إلى كثير من العناء والتفكير لفهم تأثير حجم الودائع على الدولة والمصرف المركزي والمصارف والمودعين، فكلّما انخفض هذا الحجم، انخفص الدين العام فعلياً وزادت فرص بقية المودعين للحصول على أموالهم أو على نسبةٍ أكبر منها لاحقاً، والعكس صحيح.
إذاً، لو أتيح للمصارف شراء الشيكات بنفسها لانخفضت كتلة الودائع بشكل كبير وانعكس ذلك إيجاباً على الجميع، مع الإشارة إلى أن البيع هو قرار اختياري يعود للمودع حصراً.
وهنا، قد يقول قائل كيف يمكن للمصارف أن تشتري الشيكات بالدولار الفريش ولا تقوم بتسديد أموال المودعين ما دامت قادرة على ذلك؟ الجواب: إنّ ما تسدده المصارف هو مبالغ ضئيلة جداً من القيمة الحقيقية للشيكات المبيعة، والتي لا تتعدى حالياً نسبة 15% منها، وهي قادرة على ذلك طبعاً بما يتوافر لديها من عملات صعبة، لكنها غير قادرة بطبيعة الحال على تسديد كامل الودائع، وإذا افترضنا «نظرياً» أنّ جميع المودعين باعوا أموالهم بواسطة الشيكات بنسبة 15% لأصبح مجموع الودائع 15 مليار دولار بدلاً من 100 مليار دولار.
في الخلاصة، ما دامت المسألة اختيارية للمودع، فلماذا لا نواجه الواقع كما هو، وتكون هذه التجربة مع المصارف جزءاً من الحلّ المنشود؟