أقرت الحكومة اللبنانية خطة التعافي الاقتصادي والمالي في 20 أيار/ مايو من العام الحالي، وذلك في آخر جلسة لها قبل دخولها فترة تصريف الاعمال، حيث تضمنت هذه الخطة بنود مختلفة تقدم طروحات للنهوض في مختلف المجالات والقطاعات، ولكن الابرز في هذه الخطة هو ما جاء تحت عنوان استراتيجية النهوض في القطاع المالي، حيث تضمنت ما يعرف بالفجوة المالية، والمقصود بها هنا بالنسبة لمن اعد هذه الخطة هو رأس المال السلبي في مصرف لبنان، والذي يقدر وفقاً للتقديرات الاولية بمبلغ يفوق 60 مليار دولار، وهو عبارة عن الفرق بين موجودات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية وبين التزاماته تجاه المصارف بالنقد الاجنبي. وهذا المبلغ تحديداً هو ما تهدف الخطة الى شطبه من أجل تحميل المودعين وحدهم معظم الخسائر، وعدم تحميل الدولة أي مسؤولية تذكر عن هذه الخسائر، علماً أن الحكومات المتعاقبة تُعتبرُ هي الجهة الاساسية التي أهدرت هذا المبلغ عبر استدانته من مصرف لبنان بطرق متعددة على فترات زمنية مختلفة، حيث تم استخدامه في سد العجز المالي المتراكم في مالية الدولة وفي تمويل مشاريع فاشلة كبدت الدولة والمصرف المركزي خسائر كبيرة وفادحة. ومن هذا المنطلق لا يمكن ابداً لاي حكومة شطب هذه الديون بأي حال من الاحوال، فالمصرف المركزي مدين بالاموال للمصارف ولا يمكنه ان يتنصل من التزاماته لان المودعين هم مالكو هذه الاموال، والمصارف بدورها مدينة بهذه الاموال للمودعين مهما كان وضعها ومهما كانت توظيفاتها خاطئة والمخاطر الكبيرة التي أخذتها عبر إقراض المصرف المركزي هذه الاموال والذي بدوره أقرضها للدولة العميقة.
صندوق التعافي
بعد الاخذ والرد في موضوع شطب الاموال وحجم البلبلة التي أثارها في الرأي العام وفي الاوساط السياسية المختلفة، صرح دولة الرئيس نجيب ميقاتي خلال حضوره اجتماعاً للجنة المال والموازنة بأن هناك تعديلات جوهرية ستطرأ على خطة التعافي المقدمة للنقاش، وخاصةً بما يتعلق باموال المودعين، حيث تحدث عن امكانية انشاء صندوق للتعافي يمكن من خلاله تحمل الدولة بعض المسؤولية لجهة مساهمتها في إعادة أموال المودعين، إلا أن هذا الصندوق غير واضح المعالم إلى الان حيث تم الحديث عنه شفهياً، ولا نص مكتوب يوضح كيفية عمل هذا الصندوق والطريقة التي سيتم من خلالها إدارة الازمة وإعادة الحقوق وكل ما سرب منه حتى الان هو الاتي:
1ـستدفع الدولة للمودعين 50 % من فائض الموازنة إذا ما حقق الناتج المحلي الاجمالي نمو بنسبة 2 %.
2ـ يحتوي الصندوق على فوائد شهادات إيداع مصرف لبنان والتي تحملها المصارف في محفظة توظيفاتها.
3 ـ نقل ثلث رساميل المصارف الى الصندوق.
4 ـ مساهمة المصرف المركزي بالصندوق من أموال الاحتياط الالزامي الموجودة بحوزته.
5 ـ الاموال التي سيحصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي إذا اتت.
إقتراحات عملية تعزز عمل الصندوق
بناء على تصريحات الرئيس ميقاتي يمكن اعتبار ان الصندوق المنوي تأسيسه قد يسهم في ايجاد حلول، شرط أن يتم تطويره من خلال اعتبار الصندوق فرصة من اجل تحقيق تعافي إقتصادي شامل يمكن ان يساهم في إعادة أموال المودعين، وهذا الامر يحصل عبر تطوير النشاط الاقتصادي من خلال تعزيز الاستثمار بشكل متوازن في مختلف القطاعات، مما سيساهم فعلياً في زيادة حجم الناتج المحلي البالغ حالياً حوالي 21 مليار دولار بعد ان كان يساوي حوالي 55 مليار دولار قبل الازمة الاخيرة، ما يعزز فرص تحقيق النمو من جهة وخفض العجز المالي المتراكم على الدولة من جهة اخرى. وهنا لا بد من تقديم اقتراحات عملية تسهم في تطوير الانتاج وتخفيف العجز المالي في آن معاً ومن هذه الاقتراحات:
1ـ تمتلك الدولة اللبنانية حوالي 30 % من حجم مساحة لبنان، حيث ان ارقام هذه الاراضي موجودة في وزارة المالية، لذلك وجب تحديد مكانها الجغرافي تمهيداً لمسحها طوبوغرافياً لتحديد الاراضي الصالحة منها للزراعة والصناعة والخدمات تمهيداً لتأجيرها أو تثميرها مما سيخلق ايرادات كبيرة جداً وواضحة تدخل الى خزينة الدولة.
2ـ اعادة هيكلة الايرادات المتوقعة من تأجير الاملاك البحرية حيث يجب تعديل الرسوم وتحديدها على سعر منصة صيرفة مما يخلق ايرادات حقيقية تساهم في تخفيض العجز المالي.
3 ـ العمل على تحسين انتاجية قطاعات الدولة المختلفة من خلال تخصيص المنشآت الغير منتجة والتي تحقق عجز سنوي كبير مما سيخفف النفقات ويرفع الايرادات، علماً ان الخصخصة هي سياسة بنيوية تعتمدها معظم دول العالم المتقدمة.
4ـ فرض ضريبة على الثروة والممتلكات على ان تحدد هذه الضريبة بنسبة 1 % سنوياً على كل من تتخطى ثروته حدود المليون دولار. وهذا مبدأ متبع عالمياً من اجل إعادة توزيع المداخيل بشكل عادل.
5ـ تعديل الرسوم التي تستوفيها الدولة من الشركات الاجنبية التي تستفيد من الخدمات المحلية حيث يجب تحصيل هذه الرسوم بالدولار حصراً وليس على السعر الرسمي او غيره كما هو الحال في مطار بيروت حيث تصل قيمة هذه الرسوم يومياً الى 5000 دولار كبدل من استعمال الطائرات الاجنبية لمطار بيروت، مما سيدخل ايرادات سنوية من هذه الشركات مبالغ تفوق 200 مليون دولار سنوياً من المطار فقط.
6ـ مكافحة التهرب الضريبي عبر وضع تقنيات رقابية حديثة مما سيساهم في زيادة الايرادات بمبالغ تصل الى مئات ملايين الدولارات سنوياً.
7 ـ تشديد الرقابة على كافة المعابر من أجل تخفيف حدة التهريب وهذا الامر سيساهم في دخول مئات ملايين الدولارات الى خزينة الدولة.
8ـ تمويل الصندوق بنسبة 20 % من عائدات النفط والغاز بعد البدء بالتنقيب والاستخراج علماً ان الدولة ملزمة باسراع عملية التنقيب مهما كانت نتائج المفاوضات الحالية.
هذه الاقتراحات بعض افكار وهناك العديد من الأفكار البناءة يمكن ان تساعد في تطوير عمل الصندوق الاستثماري الذي من خلاله يمكن اعادة التوازن الى الاقتصاد الوطني مما سيساهم في خلق فائض في الموازنة العامة يمكّن الدولة من اعادة ما استدانته من اموال المودعين.