رغم تسلّمه تقريراً يتضمن تفاصيل وأسماء حول مافيا الطحين التي تتعلق برغيف المواطن، لم يقدم القضاء بعد على توقيف أي من الواردة أسماؤهم. فيما تمضي النيابة العامة المالية في الملف وفق الطريقة المعتادة: التحقيق في الفساد والاستماع إلى أشخاص من دون «التجرؤ» على توقيف فاسد!
الأسبوع الماضي، قدّم عضو اللقاء الديموقراطي الوزير السابق وائل أبو فاعور إلى النائب العام المالي علي إبراهيم تقريراً مفصّلاً عن شبكة تتولى السطو على الطحين المدعوم. واطّلعت «الأخبار» على مضمون التقرير الذي تضمّن تفاصيل حول «الشبكة التي تتألف من كل من: المدير العام لمكتب الحبوب والشمندر السكري في وزارة الاقتصاد جرجس برباري ورئيس دائرة الإنتاج في المديرية حسن حمود والمسؤول عن توزيع قسائم الطحين محمد الزعتري الذي يُداوم في مكتب وزير الاقتصاد، علماً بأنه ليس موظفاً في الوزارة». فيما أشار التقرير إلى «شبهات حول تورط كريم سلام»، شقيق الوزير أمين سلام، في هذه الشبكة، و«الاشتباه في أن رئيس مصلحة التجارة ودائرة الشركات سيمون جبور يدير الفساد في ملف الدعم بشكل خاص، ويتقاضى عمولات مقابل تسيير ملفات وتأخير أخرى. ويرعى اتفاقات بين الشركات المستوردة».
وأشار التقرير إلى أنّ المطاحن «تستخدم قسماً من القمح المدعوم المخصص للخبز لاستخدامه في صناعة الكعك والكاتو والخبز الافرنجي الذي يُباع بأسعار مرتفعة، مع ما في ذلك من تحايل وسرقة لأموال الدعم، وخصوصاً أنّ الحكومة في آخر جلسة لها قبل تحوّلها إلى تصريف الأعمال، حصرت الدعم بطحين الخبز دون بقية الأصناف (علف أو طحين إكسترا)». وأشار إلى عمليات مالية بين التجار والموظفين الذين ذكر أسماءهم للحصول على الأفضلية خلافاً لمبدأ التوزيع العادل بين الأفران والمناطق. وكشف أنّ «التحايل يؤدي الى الاستفادة غير المشروعة في أسعار العلف الذي يبلغ سعره بموجب الدعم ٥ ملايين ليرة، فيما يباع في السوق السوداء بـ ١٥ مليون ليرة». وخلص إلى اتهام برباري «بقبض الرشى علناً من التجار وأصحاب المطاحن».
وتضمّن التقرير معلومات عن «5000 طن طحين مدعوم لم تسلّم لأحد، واختفت احتكاراً أو تهريباً»، وعن «احتكار بعض التجار القمح وتخزينه لبيعه في السوق السوداء أو تهريبه بعد استبدال الأكياس التي كانت تحتويه بأكياس أخرى للتمويه»، إضافة إلى أنّ هناك «طحيناً مدعوماً كان مخزناً سابقاً وجرى بيعه في السوق السوداء بعد تغيير مدة صلاحيته، ما يشكل خطراً على سلامة الغذاء».
وتضمن التقرير إشارة إلى «تلكؤ وزارة الاقتصاد في القيام بواجبها في مساءلة المطاحن عن مصير القمح المدعوم الذي تُسلّمه وإجراء جردة لتحديد كمية طحين الخُبز التي وُزِّعت وكيفية توزيعها، وكمية الطحين إكسترا، وكمية العلف الناتج من طحن القمح، ما يعزز الشبهة بأنّ هناك تواطؤاً بين الطرفين». وأشار إلى «فضيحة اعترف بها وزير الاقتصاد بنفسه عندما صرح بأنّ قسماً من القمح الذي سُلِّمَ إلى المطاحن لم يُطحن، بل جرى تهريبه وبيعه في السوق السوداء». وسأل: «ألا يفرض تصريح كهذا تحقيقاً جدياً للتوصّل إلى المسؤولين عن التسبب بأزمة الخبز وجوع الناس؟».
وتضمّنت المعطيات التي قدمها الوزير أبو فاعور إشارة إلى «قيام بعض أصحاب الأفران ببيع حصتهم من الطحين للتجار باعتبار أنّ سعر طحن الطحين المدعوم كان 2،7 مليون ليرة، فيما يستطيعون بيعه في السوق السوداء بـ 20 مليون ليرة». وأعطى مثالاً عن «المحاباة والتسييس في أداء وزير الاقتصاد عبر منحه بونات ٣٦٠ طناً من الطحين لأفران قمرين في الشمال خلال الانتخابات النيابية، مع أنّ الفرن حديث ولا يستحق هذه الكمية. كما أعطى أفرانwooden bakery كمية ٧٥٠ طناً نتيجة تدخل ما، بينما حُرِمَتْ أفران أخرى من أي كميات».
ماذا يُغري التجار؟
طحن ٣٦ ألف طن من القمح للحصول على طحين للخبز العربي ينتج منه ٢٧ ألف طن من الطحين الموحد فئة ٨٥، بينما يُستخدم الباقي كعلف. سعر الطن الواحد للخبز لإنتاج ربطة خبز مدعومة يبلغ مليونين و ٧٠٠ ألف ليرة تقريباً، بينما يصل طن طحين الخبز المرقوق والتنور والكعك والكاتو إلى ما يقارب ٢١ مليون ليرة. تُسعّر وزارة الاقتصاد العلف المدعوم بخمسة ملايين ليرة، لكنه يتخطى العشرة ملايين ليرة في السوق السوداء. وهذا الفارق الذي يتجاوز الضعف في الأرباح المحققة هو ما يُغري التجار بالتلاعب.