لا شك ان لبنان وقع في محظور الازمة الاقتصادية والمالية مع سلوك كل القطاعات الانتاجية قطار التسعير بالدولار وفقا لسعر صيرفة الذي يتحرك ربطا بسعر الصرف في السوق الموازية.
والمشهد يزداد سوداوية مطلع كل شهر في غياب اي حلول جذرية للمشكلات التي يعاني منها اللبنانيون عموما وموظفو القطاع العام وذوو الدخل المحدود على وجه الخصوص بعدما فقدت رواتبهم قيمتها الشرائية بنسبة 90 في المئة، وبات من الضروري ان يتم رفع الحد الادنى للاجور الى قرابة 10.000.000 مجاراة لاسعار الدواء والمحروقات والمواد الغذائية وفواتير المولدات الكهربائية والاتصالات والانترنت، بيد ان المعنيين على خط المجلس الاقتصادي والاجتماعي يتمنون ان يكون الحد الادنى للاجور بحدود المئة دولار، مع تصحيح بدل النقل في الوقت الراهن الى حين انجاز الاتفاق مع صندو ق النقد واقرار خطة التعافي التي تشكل معبرا للازمة.
من الممكن القول إن لبنان واللبنانيين قد دخلوا في ما يسمى جهنم نتيجة القرارات المتتالية التي حررت اسعار كل القطاعات تدريجياً بما فيها القطاعات الاستراتيجية التي حافظت على اسعارها طيلة ثلاث سنوات وفق سعر دولار 1500 اي السعر المدعوم.
من الواضح وفق الخبير المالي والاقتصادي بلال علامة لـ”لبنان24″ أن قرار تحرير أسعار القطاعات قد وضع موضع التنفيذ تدريجيا” وان على اللبنانيين أن يواجهوا كارثة المستحقات المترتبة عليهم مطلع كل شهر. لقد باتوا بحاجة لكتلة هائلة بالعملة اللبنانية لدفع المتوجب عليهم في ظل نظام اقتصادي أصبح يعتمد على الدورة النقدية في ظل الإجراءات التي تطبق من قبل المصارف ومصرف لبنان بحجب السيولة بالليرة اللبنانية قدر المستطاع. وهذا سيجعل من مواجهة هذه المشكلات معضلة اجتماعية واقتصادية قد تدفع بالوضع العام برمته إلى قلب جهنم
فاين المفر ؟
لا يقتصر الأمر على تحرير أسعار القطاعات، إنما يتعداها، بحسب علامة، الى ربط هذه الأسعار بالدولار وفق اسعار سوق القطع المرشحة للارتفاع تباعا وهذا ما حصل من خلال ربط اسعار الاتصالات بسعر منصة صيرفة إضافة إلى ربط اسعار المحروقات وتحديدا” المولدات بسعر متحرك مبني على أسعار يومية بدأت باعتمادها وزارة الطاقة لتسعير المحروقات وسلك دربها أصحاب المولدات بذريعة السلم المتحرك للأسعار، وهذا الامر سيجعل المواطن اللبناني عاجزا” عن تلبية المطلوب منه وسيؤدي هذا الأمر لاحقا” إلى إنهيار القطاعات وفقدان قدرتها على الاستمرار.
إذا الأمر معقد ،وما طبق لناحية تحرير أسعار القطاعات تدريجيا” يعتبر سياسة خاطئة قد تؤدي إلى مزيد من الاضطرابات المعيشية والاجتماعية والاقتصادية، يقول علامة . أما بالنسبة لارتفاع سعر منصة صيرفة فهذا مؤشر واضح إلى أن الأسعار ستسلك منحى تصاعديا، فسعر صيرفة يواكب سعر السوق السوداء وبات الأمر رهنا بإرادة من يسيطر على السوق السوداء والمنصات التي تحرك بإرادة من فئة معينة تحرك الواقع المالي اللبناني وفق مقتضيات الاقتصاد النقدي cash economy..
إن تحرير أسعار القطاعات وتراكم المستحقات على المواطن ستجعل من بداية كل شهر محطة غضب وقد تؤدي في لحظة معينة الى ما لا تحمد عقباه بحق لبنان الكيان والوطن. وبالتالي فإن مواجهة المرحلة المقبلة تتطلب، كما يقول علامة، طرح سياسة أجور جديدة بعد طرح إعادة هيكلة كاملة للأجور مبنية على دراسة المتطلبات الأساسية للفرد اللبناني ووفق سلم متحرك يراعي تطور اسعار القطاعات الأساسية التي لم يعد ممكنا” للمواطن اللبناني متابعة حياته من دونها والمتمثلة بالاتصالات والمحروقات والمولدات والطبابة والخبز خاصة في ظل عجز الدولة عن تأمينها أو في ظل إرادة السلطة في عدم تأمينها.
ان كل القرارات التي اتخذت بتحرير الاسعار واعتماد اسعار دولار السوق الموازية هي، بالنسبة الى علامة، قرارات غير شرعية حتى ولو غلقت بإطار قانوني لأنها لم تراع مقتضيات الأمن الاقتصادي والاجتماعي والصحي والغذائية للمواطن في ظل تقاعس رهيب وملفت عن محاسبة المضاربين والمتلاعبين الذين باتوا بمرتبة المجرمين بحق لبنان واللبنانيين.
الكل يعول على الاتفاق مع صندوق النقد. والاتفاق بحسب علامة، هو بداية حل وقد يضع لبنان على مسار التعافي خلال مدة زمنية محددة بسنوات لا تقل عن خمس علما” أن الشروط الأساسية المطلوبة لم تعمد السلطة إلى تأمينها لناحية الاصلاحات والإقرار بالخسائر وكيفية تغطيتها ولا لناحية تأمين التوازن المالي في ميزان المدفوعات وهذه مؤشرات غير جيدة لناحية الاتفاق من جهة وإمكانية أن يحمل الاتفاق بداية حل.
الاكيد في خضم هذه الازمة المعيشية، أن قدوم مليون شخص الى لبنان خلال الصيف سيساهم في تحريك بعض القطاعات الخدماتية وسيؤدي ذلك إلى إيجاد فرص عمل وتحقيق مداخيل قد تصل إلى سبعمائة مليون دولار في حال صدقت التوقعات وبقي الاستقرار خلال الاشهر المقبلة ولكن الفجوة تكمن في ميزان المدفوعات. ولذلك فإن إيرادات القادمين من سياح ومغتربين ستكون بمثابة مساعدة موسمية ولفترة شهرين على الأكثر ، وفق علامة.
المصدر: لبنان 24