سارع رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي ومنذ الصباح الباكر إلى زيارة قصر بعبدا ليرمي تشكيلة حكومية ويرحل، في خطة “خبيثة” مدروسة ومُعدّة سلف بدأت مع إعادة تكليفه بالتضامن والتكافل مع الثنائي الشيعي والجانب الفرنسي.
قذف ميقاتي تشكيلة إستطاع إعدادها بعد أقل من 24 ساعة على إنتهاء الاستشارات النيابية غير الملزمة، حتى دون التشاور مع رئيس الجمهورية أو الأطراف الأخرى المعنية بموضوع التشكيل، في خطوة ليست بعبثية أبدًا بل مدروسة تمامًا، وتُشكّل خروجًا عن الأعراف واعتداءً على مقام الرئاسة.
وهو بدأ اليوم تنفيذ الخطة التي أوصلته الى إعادة تكليفه، والتي تقوم في الأساس على تمرير خطته المسماة زوراً خطة التعافي مع صندوق النقد الدولي والتي تهدف في بنودها إلى القضاء على أموال المودعين وتدمير أي أمل للإقتصاد اللبناني بالنهوض.
ويستتبع الرئيس ميقاتي ما جرى اليوم في قصر بعبدا بشكل سريع عبر تفعيل حكومة تصريف الأعمال التي تخدم الخطة الموضوعة، على أن يذهب مباشرة إلى المجلس النيابي لإقرار القوانين المتعلّقة بالإتفاق مع صندوق النقد والقوانين المرتبطة بهذا الإتفاق مثل رفع السرية المصرفية والكابيتال كونترول، والتي يُسمّيها ميقاتي إصلاحية وهي في الواقع تدميرية، وليس ما يشيعه عبر مُعدّي الخطة عن تعديلات ستحمي المودعين إلا ذرّ للرماد في العيون لتعمية عيون اللّبنانين عن الإجراءات القاسية التي ستقضي فعلياً على ودائعهم ثمّ على إمكانية الخروج من الأزمة الاقتصادية التي يتخبطون فيها.
وتُعوّل الأطراف المشاركة في تعويم الخطة على النجاح بإنجاز الإتفاق مع صندوق النقد لما يترتّب عن ذلك من استثمارٍ مؤكد في الإستحقاق الرئاسي المُقبل، على غرار استثمار “إتفاق الإطار” الذي وقّعته حكومة ميقاتي مع صندوق النقد وجرى استثماره بفاعلية في إعادة تكليفه تشكيل الحكومة بدفعٍ فرنسي واضح، في ظل غياب تام للمكوّن المسيحي من التأثير على مجرى هذه الخطة أو الإنخراط في دعمها أو إفشالها.
ولكن وسط هذا المشهد الخطير المرتقب، تتكشّف التأثيرات السلبية للتصرفات التعسّفية التي مارسها رئيس الجمهورية مع رؤساء الحكومات السُنّة والتي أوصلته إلى عزلة سُنيّة وحتى وطنية، بعدما فضّل سلوك اتجاهات تخدم طموحات “الصهر” مستخدماً شعارات برّاقة زائفة ليس أقلها إقالة حاكم مصرف لبنان وقائد الجيش، وبناء شعبية “وهمية” على وقع هذه الشعارات والتي تهدف إلى تعزيز مغانم الصهر في السلطة.
وإذا كان شهر تموز الذي يُطلّ علينا بعد غد حاملاً لهيباً مناخياً معتاداً إلا انه هذه السنة سيحمل لهيباً من نوع آخر، قد يُشعل النيران في كثير من الغابات المتشعبة بنباتاتها السامة أو الصالحة، لكنّها بالتأكيد ستكون نيراناً ممتدة على القطاعات كافة، لا سيما أن المياه ستغلي في تموز على أعلى الدرجات في كوز الخطة الخبيثة، إلا أن الرهان يبقى على مدى إستجابة المجلس النيابي بتنوّعه الذي فرضته الإنتخابات لهذه الخطة أو التصدي لها، لذلك فهذا الشهر سيكون حاسماً ومفصلياً في تاريخ الأزمة الإقتصادية والمالية الصعبة في حال نجح الإتفاق أو فشل.