اقتراحات لزيادة أجور القطاع العام: عشوائية وعدم جدية
لم يحقق اجتماع وزير العمل مصطفى بيرم، أمس، مع رابطة موظفي الإدارة العامة أي خرقٍ في جدار إضراب موظفي القطاع العام. رفضت الرابطة طرح الوزير وأدركت سلفاً أن اقتراحها لن يلقى قبول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يدّعي أن حكومته منحت الموظفين الكثير.
شدّ الحبال بين الطرفين يحدث على مسافة من أي نقاشٍ جدي حول تصحيح للأجور
بناءً على تفويضٍ من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، دعا وزير العمل مصطفى بيرم رابطة موظفي الإدارة العامة إلى اجتماع بعد ثلاثة أسابيعٍ من بدء إضرابهم المفتوح احتجاجاً على ما آلت إليه أوضاعهم المعيشية. بحسب مصادر الرابطة، فقد طالبت بتقاضي الرواتب وفق سعر «صيرفة» أو الاحتكام إلى مؤشّر غلاء الأسعار، في حين أن الوزير عرض قسمة الراتب على ثمانية ودفع الحصيلة بالدولار الفريش، وهو ما رفضه ممثلو الرابطة، معتبرين أن لا معيار واضحاً لتقسيم الراتب، والعملية الحسابية لا أساس علمياً لها. تتراوح رواتب العاملين في القطاع العام بين مليون و100 ألف ليرة للفئة الخامسة وما يزيد على 4 ملايين بقليل للفئة الأولى، ووفق طرح بيرم فإن راتب المدير العام (4 ملايين ليرة) على سبيل المثال سيعادل 500 دولار بعدما كان يساوي 2600 دولار قبل عام 2019، لكنّه بالمقابل سيزيد من 137 دولاراً (إذا احتسبنا الملايين الأربعة على سعر صرف دولار السوق الموازية) إلى 500 دولار. الاقتراح الذي عدّه وزير العمل جيّداً قابلته الرابطة باقتراحٍ يقضي بدفع الرواتب كاملةً دون تقسيم وفق سعر الدولار المصرفي ليعادل راتب المدير العام مثلا حوالي الـ 1000 دولار.
وسيكون هذا الطرح مدار بحثٍ اليوم بين بيرم وميقاتي، والأرجح سيتم رفضه بذريعة عدم توفّر الأموال في خزينة الدولة، وهو ما تتوقعه الرابطة التي تضع طرحها في سياق «المرونة والتنازل عن المطلب الأساسي» بحسب رئيسة الرابطة نوال نصر، مشيرة إلى أن «القبول بذلك سيكون مرحلياً ومؤقتاً على طريق التصحيح الفعلي للأجور».
السلبية المتوقّعة حيال ما يطرحه الموظفون، نابعة من اقتناع ميقاتي بأن حكومته قدّمت ما يلزم للعاملين في القطاع العام. ويقصد بذلك ملاليم المساعدة الاجتماعية المحدودة والمؤقتة التي لا تدفع بانتظام، ولا تدخل في أصل الراتب، ولا في تعويض نهاية الخدمة أو الراتب التقاعدي.
وهي عبارة عن «مكرمة» توازي نصف راتب ولا تقلّ عن 1.3 مليون ليرة. كذلك، رُفع بدل النقل من 24 ألفاً إلى 64 ألفاً، من دون أن تتمكن الخزينة من تسديده بسبب الإنفاق على القاعدة الاثني عشرية. علاوة على ذلك، فإن الـ 64 ألفاً أقرّت يوم كان سعر صفيحة البنزين يوازي 70 ألفاً، وهو اليوم يلامس الـ 700 ألف.
وقبل أن تحرّر الحكومة استحقاق الموظف للمساعدة الاجتماعية من الحضور، كان هؤلاء ينفقون فتات المساعدة على التنقل ما بين مراكز عملهم وسكنهم، بدلاً من إنفاقها على معيشتهم. أما وأن السلطة حرّرتها، فإنها تريد مقابل ما تسميه حسن نية أن يعلّق الموظفون إضرابهم كإشارة إيجابية مقابلة. وهذا ما طلبه بيرم من ممثلي الرابطة في اجتماع أمس، بحسب نصر، التي لفتت إلى أن النقاش مع الوزير طال بدل النقل ودعم الصناديق الضامنة.
الطرفان يرميان الكرة في ملاعب بعضهما البعض عبر اقتراحاتٍ غير نابعة من دراسة لغلاء المعيشة، والحد الأدنى من الراتب المتناسب واحتياجات الموظف، علماً بأنه بحسب معلومات «الأخبار»، جرى إعداد دراسة كتلك في وزارة المالية قبل نحو 6 أشهر، حين كان سعر الدولار في السوق الموازية يعادل 20 ألف ليرة، وتبيّن حينها أن الحد الأدنى لمعيشة لعائلة من 4 أفراد يتخطى الـ 15 مليون ليرة. إهمال «المالية» لنتائج الدراسة، وإبقاؤها طيّ الكتمان ليس مستغرباً، بل هو في السياق الطبيعي لوزير هو ابن القطاع المصرفي، والمتماهي ونهج السلطة برئيس حكومتها وحزب مصارفها وكل أطيافها السياسية الرافضة انتشال القطاع العام، والتي تتعامل مع انهياره وذلّ موظفيه كأضرار جانبية للأزمة.
من جانبه، يرى نائب رئيس رابطة موظفي القطاع العام، وليد الشعار، أن لا بديل من «الحل الشامل، المتضمن تصحيحاً للأجور ورفعاً للحد الأدنى يترافق وإعطاء بدل نقلٍ يحتسب وفق عدد الكيلومترات التي يقطعها الموظف من العمل وإليه، وتأمين الخدمات الصحية والتعليمية بالشكل المطلوب لعائلات الموظفين».
هذا في العام، لكن الشعّار يشدد على ضرورة البدء من مكانٍ ما، كأن «تقبل رابطة موظفي الإدارة العامة بطرح بيرم الذي سيحقق نقلةً نوعية على صعيد الأجور مرحلياً وكخطوة أولية، من دون أن تؤثّر التشرذمات الحزبية داخل الهيئة الإدارية على المقاربات الخاضعة للانتماءات السياسية لكل عضو».
ندى أيوب – الأخبار