منذ منتصف القرن الماضي والجريمة في لبنان تبقى دائماً مكتومة القيد، رغم أن فاعليها غالباً ما يكونون معروفين وبالإسم. إلا أن ترهّل الدولة والسلطة القضائية جعل من الاغتيالات أداة حاضرة دائماً في العمل السياسي من دون حسيب أو رقيب. والأمثلة تطول من اغتيال كمال جنبلاط ومعروف سعد ورياض طه وبشير الجميل، وصولاً الى اغتيال رفيق الحريري وكل شهداء ثورة الأرز، وأخيراً جريمة انفجار المرفأ وقتل جو بجاني والعقيد منير أبو رجيلي ولقمان سليم وسواهم الكثير.
هذه الجرائم التي بقيت غالبيّتها من دون محاكمة جعلت لبنان “يحتل المرتبة الاولى حتماً في الجرائم غير المكشوفة والفاعلين غير المعاقبين”، كما كتب في تغريدة لافتة عضو تكتل الجمهورية القوية النائب جورج عقيص عبر “تويتر”.
وعقّب عقيص على تغريدته هذه في حديث مع موقع mtv، كاشفاً أن “غالبية جرائم الاغتيال السياسي لا تزال التحقيقات فيها فارغة من أي ورقة او إثبات أو دليل أو خيط والكثير من قضاة التحقيق عيّنوا للتحقيق في هذه الجرائم ولم يحصل أي تقدّم فعلياً في التحقيقات. ولم نصل في هذه الجرائم حتى الى مرحلة الادعاء”.
وأشار الى أن “المجلس العدلي الذي أنشئ من أجل محاكمة الجرائم الكبرى وخصوصاً السياسية او الارهابية او التي تمس بأمن الدولة، سجلّه غير حافل بالدعاوى او بالأحكام. وكل هذا يؤكد على هذه النظرية، ونرى أن كل قضايا الجرائم المالية والسياسية وجرائم الفساد تحديداً، لا تقترن بأي تحقيقات جدية وهذا الأمر مردّه الى سببين، أولاً ان النظام بحد ذاته ولّاد للفساد والسلطة القضائية غائبة أو ضعيفة أو مشلولة أو تتلهى بأمور لا علاقة لها بالعدالة”.
وأضاف عقيص “كل هذه الأسباب تؤكد ان لبنان هو من أكثر الدول في العالم التي تشهد جرائم كبرى ولا يلاحَق فيها مرتكبوها، وأقصد تحديدا جرائم الفساد والجرائم السياسية. وهذا ما جعلنا نكون دولة فاشلة وسبّب بالانهيار لأن الفساد غير المقموع هو تمهيد لفساد أكبر وأوسع والجرائم السياسية غير المكتشف فاعليها تجعل العمل السياسي في لبنان دائماً تحت سطوة الخوف والقمع والاضطهاد الجسدي”.
وحتى استعانة لبنان بالمحكمة الدولية بعد اغتيال الحريري لم تأت بنتيجة، فالمحاكمة معقدة وطويلة ومرهقة واذا السلطة الداخلية لم تنفذ الحكم الصادر فعبثاً، كما يقول عقيص.
وبعد العودة الى تاريخ لبنان الحديث يتبيّن ان كل الجرائم، حتى تلك التي حصلت قبل الحرب اللبنانية، كانت تلاقي المصير نفسه. وهنا يعلّق عقيص قائلاً: “لم يكن لدينا جهازاً أمنياً قضائياً متكاملاً ولا استقلاليّةً للجهاز الأمني القضائي عن السلطة السياسية. وكان يحظى الفاعلون دوماً بغطاء سياسي أمني يحميهم ويؤمن حمايتهم ويضمن عدم ملاحقتهم من قبل القضاء، كما المافيا، فبعض الجهات في لبنان تعمل على طريقة المافيا الايطالية، التي كانت تقوم بشتى أنواع المخالفات والارتكابات والجرائم من دون ان يقوى النظام الايطالي على ملاحقتها الى ان انتفض القضاء هناك ودفع الثمن دماً، فهناك قضاة استشهدوا من أجل مكافحة سطوة المافيا”.
ولكن ماذا عن المافيا في لبنان؟
يجيب عقيص: “المافيا السياسية اللبنانية لا الشعب يحاسبها، بل يعود وينتخب أبرز رموزها، ولا القضاء يقوى على مواجهتها، ولذلك السلطة السياسية غير مستعجلة على الاطلاق لاطلاق قانون استقلالية القضاء وثبت ذلك أخيراً، لأن إقرار هذا القانون قد يشكل الخطوة الأولى نحو تأمين استقلالية لبعض القضاة الشجعان الذين لا تهمهم السلطة السياسية ولا مسايرتها. ولكن كي يتمكنوا من مواجهة هذه السلطة يجب تأمين الاستقلالية لهم كي لا تنتقم منهم بالتشكيلات والتعيينات وبمصيرهم ولقمة عيشهم”.
ولكن، بعد وصول نفَس جديد الى المجلس النيابي، هل من أمل باقرار هذا القانون في وقت قريب؟ يؤكد عقيص أن “قانون استقلالية القضاء هو محكّ لكل الكتل النيابية لأن المهلة التي أعطيت لوزارة العدل لإعادة دراسة الاقتراح انقضت ونحن بانتظار ملاحظات وزارة العدل”، كاشفاً “أننا طالبنا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالضغط في سبيل إعادة هذا القانون الى المجلس النيابي تمهيداً لاقراره. وقد اهتم بهذا الطلب وأبدى اهتماماً ونحن بانتظار هذا الأمر”، مؤكداً أن تصريف الأعمال لا يمنع احالة هذه الملاحظات، فهذا العمل روتيني لا يحتاج الى حكومة قائمة.
ch23