تُظهر حركة التداول على منصة صيرفة تبدلاً في السياسة المتّبعة في مصرف لبنان، بما يوحي أنّ هناك توجّهاً لدى المركزي للحاق بالسوق السوداء، وإنهاء الفروقات التي يتمّ استغلالها من قِبل البعض لتحقيق ربح سريع غير مبرّر. فقد سُجّل أخيراً ارتفاع في سعر دولار صيرفة إلى 25 الفاً و300 ليرة، في خطوة هي الاولى من نوعها، تأتي بعد استقراره لفترة ما بين 23 و24 الفاً، إذ حتى مع وصول الدولار إلى 38 الف ليرة في 27 ايار الماضي بقي سعر صيرفة 24600 ليرة، أي بفارق كبير بينها وبين السوق السوداء.
هدفت القرارات التي أصدرها مصرف لبنان خلال الفترة الماضية، لاسيما إبان كل ارتفاع قياسي في سعر الدولار في السوق السوداء، إلى خفضه وتقليص الهامش بينه وبين السعر المعتمد في منصّة صيرفة. وقد نجح بذلك، لاسيما بعد تعميمه الأخير الصادر في 27 ايار، والذي دعا فيه جميع حاملي الليرة اللبنانية من مواطنين ومؤسسات ويريدون تحويلها إلى الدولار الأميركي، التقدّم بطلبات إلى المصارف اللبنانية، وذلك على سعر منصة «صيرفة»، على أن تتمّ تلبية هذه الطلبات كاملةً، فتراجع سعر الدولار في السوق السوداء من 38 الفاً الى 28 الفاً في غضون ساعتين.
نجاح هذا التعميم كلّف المصرف المركزي ضخ او هدر ما يقارب الـ 500 مليون دولار في الأسواق من احتياطاته من أجل دعم سعر الصرف على منصة صيرفة، فسجّلت خلال فترة 10 ايام من صدور التعميم، حركة تداول بنحو مليار و 138 مليون دولار، بلغ خلالها الحدّ الأقصى لحركة التداول 196 مليون دولار و 85 مليون دولار كحدّ أدنى، الّا انّ هذه الحركة سرعان ما تراجعت تدريجياً اعتباراً من منتصف حزيران إلى ما بين 55 مليوناً كحدّ أقصى و 20 مليوناً كحدّ أدنى. لكن في الموازاة، بدأ سعر صيرفة بالارتفاع من 24 الفاً و400 ليرة خلال اول 10 ايام من العمل بالتعميم، إلى 25 الفاً و 300 ليرة أخيراً، بما يوحي انّ هناك اتجاهاً لرفع سعر الدولار على صيرفة ليقترب من سعر السوق السوداء، مستفيداً بذلك من الموسم السياحي وما سيحمله معه من دولارات جديدة يدخلها السياح او المغتربون، للتخفيف في الوقت عينه من ضخ الدولارات في السوق.
ويشرح المستشار المالي ميشال قزح لـ«الجمهورية»، انّه عملياً يفترض بسعر الدولار المعتمد على منصة صيرفة ان يكون أقرب إلى سعر الدولار في السوق الموازي، على ألّا يتجاوز الفارق ما نسبته 5 إلى 10 في المئة. أما الفارق الكبير الحاصل بين السوق السوداء ومنصة صيرفة هو ما يُعرف في الأسواق المالية بـ arbitrage أي استغلال للفوارق لتحقيق أرباح فورية. وقال: «عندما كانت منصة صيرفة متاحة للجميع الكل استفاد من خلال بيع الدولار في السوق السوداء على سعر عالٍ ثم بشرائه من البنك بسعر أقل». اضاف: «بهذه العملية كان الكل رابحاً. اما الجهة التي تحمّلت الخسارة فهو مصرف لبنان وحده الذي سدّد الخسارة من الاحتياطي الالزامي، وللتعويض عن ذلك، لجأ المركزي إلى رفع سعر الدولار على منصة صيرفة».
ولم يستبعد قزح ان يصل سعر دولار صيرفة في الفترة المقبلة الى 28 او 29 الفاً، ليلتحق بدولار السوق السوداء، بحيث لا يتجاوز السعر بين صيرفة والسوق السوداء الـ 5 الى 10 في المئة، لافتاً إلى انّ هذه الطريقة الوحيدة للحدّ من استغلال الفروقات في الاسعار بين المنصة والسوق الحرة.
ودعا قزح لأن تعود المصارف للعب دورها، والذي يقتصر اليوم على بيع الدولارات بدل شرائها ايضاً، معطياً مثالاً على ذلك المصارف في تركيا التي تشتري الدولار بسعر أعلى من ذلك المعتمد لدى الصرافين، بما يشجع السياح على تصريف دولاراتهم في المصارف بهذه الطريقة يتمّ إيصال الدولار مباشرة إلى المصرف على عكس الطريقة المتبعة في لبنان، بحيث يلجأ المواطنون إلى التصريف في السوق السوداء، لأنّ السعر أعلى بدل صيرفة، والغريب انّ شركات تحويل الاموال هي من تسحب الدولارات في السوق وتعطيها للمصارف بدل ان تلعب المصارف هذا الدور.
الدولار ثابت
وعن استقرار سعر الصرف في السوق السوداء رغم تراجع حركة التداول على صيرفة، قال قزح: «يُقدّر حجم الاموال التي تدخل يومياً إلى لبنان عبر المطار بما بين 25 الى 30 الف دولار، ما من شأنه ان يؤمّن استقراراً او توازناً للأسواق خلال شهري تموز وآب المقبلين، محذّراً من انّ هذا التوازن لن يدوم كثيراً، لأنّ هذه الدولارات لا تُصرف على الانتاج انما على الاستهلاك مثل السوبرماركت، المطاعم، الوقود … وبالتالي، انّ ثلث هذه الاموال على الاقل سيُعاد استعمالها للاستيراد مجدداً، والثلث الثاني سيُصرف داخل البلد والقسم الثالث هو ربح التجار الذي قد يتمّ تهريبه خارج البلد».