كان لافتاً جداً صمتُ رئيس مجلس النواب نبيه برّي خلال الإستشارات النيابية غير المُلزمة، أمس الإثنين في مجلس النواب، إذ لم يُصرّح بما تشاور به مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، كما أنّه لم يترُك أي إشارة لانطباعه بشأن المرحلة الحالية التي ترتبطُ بشكل أساسي بعملية تشكيل الحكومة.
صمتُ برّي الأخير كان سبقه صمتٌ آخر خلال الإستشارات النيابية المُلزمة في قصر بعبدا، الخميس الماضي، إذ لم يكن لبرّي حينها أيّ موقف واضح رغم أن كتلته أدّت رسالتها وكشفت عن موقفها العام من الحكومة والمطالب التي عليها تنفيذها. بشكل أو بآخر، يُدرِك برّي تماماً صعوبة المرحلة ومقتضياتها، كما أن الإشارات الصادرة عنه تشيرُ إلى أن الأزمة السياسية طويلة. ففي ما خصّ الحكومة العتيدة، قد يكونُ بري قد آثرَ الصمت لعدم إطلاق أي كلامٍ في مرحلة ضاغطة فعلاً، سواء من حيث الوقت القصير جداً أمام الحكومة التي يجري السعي لتشكيلها، أو لجهة الضغوطات السياسية التي تمارسها بعض الأطراف على خطّ التشكيل، وهو أمرٌ يؤدي تباعاً لتعميق النفور السياسي ويؤخر الحلول المطلوبة.
في قرارة نفسه، قد يكونُ بري مقتنعاً أن الوقت الحالي غير كافٍ تماماً لولادة حكومة جديدة، لكنه يعمل وفق مقتضيات الدستور الذي يفرض ذلك، وبالتالي لا يمكنه تجاوز هذا الأمر. لكنه منطقياً، فإن القناعة المرتبطة بضيق الوقت جائزة، باعتبار أن الاستحقاق الرئاسي بات قريباً، والحكومة الجديدة إن وُلدت سريعاً، ستتحوّل لحكومة تصريف أعمالٍ بعد انتهاء عهد رئيس الجمهورية ميشال عون. وبمعنى آخر، فإن وجود حكومة جديدة لشهرين، هو لزوم ما لا يلزم بالنسبة لمختلف الأطراف السياسية، لكنّ بري، وإن كان يرى الأمر نفسه، يتشدّد في موقفه من تشكيل حكومة تحفظُ التوازنات من جهة، وتُكرّس الأدوار المُرتبطة بالسلطة التنفيذية والتي يستوجب أن تتكامل مع السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس النواب.
على المقلب السياسي، تُشكل الحكومة الجديدة بالنسبة لبرّي قاعدة أمانٍ بإمكانها أن تساهم في كسرِ أي استفرادٍ للنائب جبران باسيل بالسلطة التنفيذية. حتماً، فإن طموح الأخير على هذا الصعيد واردٌ وكبير، وقد يسمحُ لهُ بالتحكم بمفاصل الدولة لاحقاً بعد انتهاء عهد عون. ولهذا، يبدو بري حاسماً في موقفه من حكومة جديدة، إذ يريدُ “كبح” طموحات باسيل عبر حكومة تكونُ بعيدة كل البعد عن شروطِه المرتبطة بالوزارات وتقسيم الحصص. أما الأمر الأهم فهو أنّ إصرار برّي على تشكيل حكومة جديدة في هذا الوقت بالتحديد، يرتبطُ باستحقاقات كبيرة ومصيرية، مثل ملف ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي، وإنجاز الإتفاق مع صندوق النقد الدولي، والإنطلاق بإقرار خطة الكهرباء التي تُمهّد الأرضية لوضع حدّ لهدر المال العام ضمن قطاع استنزف المليارات من خزينة الدولة على مدى عُقود.
وفي ظل كل هذه المشهدية، لم يطرح بري حتى الآن أي شروطٍ على خط تشكيل الحكومة، وتقول مصادر سياسية في حركة “أمل” لـ”لبنان24″ إن “الحكومة يجب أن تكون متوازنة وشاملة لمختلف الأفرقاء من دون أن يُعطى أي طرفٍ ثلثاً معطلاً”، وتضيف: “الإصرار كبيرٌ اليوم على حفظ التوازنات ضمن الحكومة مع إعطائها صلاحياتٍ تمكنها من إدارة البلاد إن حصل الشغور في الرئاسة الأولى، لكن الأمر الأساس اليوم بالنسبة لنا هو إنجاز الملفات المرتبطة بحياة المواطنين وبمعالجة الأزمة وكل ما يرتبط بها”.
ما يُريحُ برّي اليوم أيضاً هو أن الغطاء السياسي من الطائفة السّنية مؤمنٌ للرئيس ميقاتي. عند هذه النقطة، يُركز رئيس مجلس النواب بشكل كبير، ويعتبر أن الحفاظ على أهمية استحقاق تشكيل الحكومة هو حفاظٌ على حقوق الطائفة السنية أيضاً وعدم تغييبها. وإنطلاقاً من هذا الأمر، يجري التركيز تماماً على توسيع مروحة المشاورات مع مختلف الأطراف السنية الفاعلة لمعرفة وجهة نظرها من الحكومة المنتظرة، في حين أن ما يتبين أيضاً هو أن هناك خطوطاً مفتوحة مع الرئيس سعد الحريري لإتمام تلك المشاورات بعيداً عن الأضواء. هنا، الأمرُ هذا يتفهمه بري ويريدهُ، في حين أن “حزب الله” لا يمانعه أيضاً حتى وإن كان الحريري خارج الحياة السياسية.
في خلاصة القول، ما يظهر تماماً هو أنّ برّي يحاول قدر الإمكان تحصين موقع رئاسة الحكومة من بوابة الضغط لتشكيل مجلس وزراء مُتجانس، لكنه في الوقت نفسه يسعى لتقليل حجم الخسائر السياسية التي قد تتراكم في حال تمكّن باسيل من السيطرة على الحكومة بثلثٍ معطّل.. وعندها، الشلل سيزداد بعد عهد عون، والتسويات “غير المستحبة” قد تفرض نفسها بقوّة لـ6 سنوات مقبلة!
المصدر: خاص “لبنان 24”