تسديد رواتب “القطاع العام”.. في أو ما في معاشات؟
تتدحرج القطاعات الإقتصادية والإجتماعية في البلاد مثل «أحجار الدومينو»، دوائر القطاع العام مقفلة بسبب إضراب الموظفين منذ نحو أسبوعين، مستخدمو مصرف لبنان ينفذون إضراباً تحذيرياً اليوم، لا ماء، لا كهرباء، لا بنزين، لا خبز، دوائر الميكانيك عاطلة عن العمل وحتى عملية تسجيل العقارات متوقفة… باختصار البلد متوقف وعاطل عن الحركة. وما زاد الطين بلّة كان خبر لا رواتب لموظفي القطاع العام نهاية الشهر الجاري، بسبب الإضراب العام المنفّذ، إلا أنه تمّ استلحاق تلك الكارثة إذ أعلن موظفو مديرية الصرفيات في وزارة المال استكمال إجراءات تسديد الرواتب التي بدأوها قبل بدء إضرابهم في 21 الجاري، على أن تسدّد اليوم مستحقات الإنتخابات.
أدى التوافق الذي حصل أمس بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير المال يوسف خليل لدفع رواتب القطاع العام في نهاية الشهر الجاري وعودة موظفي مديرية الصرفيات في وزارة المال إلى مزاولة العمل لزوم استكمال إجراءات تسديد الرواتب فقط، إلى تجنّب البلاد كارثة استهلاكية معيشية كانت ستقع على رؤوس الموظفين الذين ينفّذون أصلاً إضراباً مفتوحاً منذ نحو أسبوعين، بسبب الخلافات القائمة على رواتبهم المتدنية وكلفة التنقل المرتفعة وإلزامية الحضور إلى العمل.
وبعيد التوافق على عودة موظفي مديرية الصرفيات في وزارة المال إلى العمل، أصدر موظفو المديرية بياناً أمس شدّدوا فيه على أن «العمل خلال شهر حزيران غالبيته منجزة إذ سبق أن قمنا بتأمين العمل لغاية 21 منه وبقي فقط جزء منه، ويمكن إتمامه في أيام عدة. لذلك سيعودون إلى العمل وبذل الجهد الذي طالما بذلوه كل شهر على مدار السنة من دون كلل أو ملل، ولكن هذه المرة فقط من أجل إنجاز الرواتب والمعاشات العائدة لشهر تموز والمساعدة الاجتماعية عن شهري آذار ونيسان ومن دون أي معاملات أو حوالات أخرى».
صرف الرواتب ليس كبسة زرّ !
وأكدوا أن «صرف الرواتب والمعاشات والمساعدات الاجتماعية ليس أبداً كبسة زر، كما يعتقد البعض وأنه يتطلّب أقله من 14 إلى 15 يوم عمل شهرياً ومن ثم تحال إلى الدفع حيث تحتاج أيضاً الى فريق عمل في مديرية الخزينة من أجل تحويلها إلى مصرف لبنان ومن ثم إلى المصارف، وأي تأخير في نهاية هذا الشهر لا يعود إلى إضرابنا عن العمل ولكن إلى توقفنا القسري بسبب عدم القدرة على الاستمرار.
وترك موظفو مديرية الصرفيات في وزارة المالية كما جاء في البيان برسم جميع المعنيين حلّ معضلة تأمين كلفة حضور الموظف إلى عمله خمسة عشر يوماً على الأقل شهرياً وإعالة عائلته براتب يتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين شهرياً وسعر صفيحة البنزين يناهز السبعمئة ألف ليرة لبنانية حتى لو أضفنا المساعدة الاجتماعية البالغة مليوناً ونصف المليون ليرة. وهذا الحل يجب أن يراعي أن العمل يبدأ من مطلع الشهر (اي استحقاقات شهر آب تبدأ من أول أيام تموز) من أجل إنجاز المساعدات الاجتماعية ومن ثم الرواتب والمعاشات».
وأعربوا عن عجزهم عن الاستمرار وتسديد كلفة الحضور من هذا الراتب الذي لا يخفى على أحد ما وصل إليه، وعليه تبقى رواتب ومعاشات الأشهر اللاحقة رهناً بايجاد الحل.
موعد الرواتب
وهل يعني ذلك أن موظفي القطاع العام سيحصلون على رواتبهم نهاية الشهر؟
أوضحت رئيسة رابطة موظفي الإدارة العامة نوال نصر لـ»نداء الوطن» أن مستحقات الإنتخابات فقط ستسدّد اليوم، أما جداول الرواتب فستستغرق فترة لتحضيرها، ولا نعلم كم ستتطلب من الوقت وهم لا يعلمون متى ستنجز».
وأشارت الى أن «موظفي مديرية الصرفيات استعادوا عملهم من أجل تسديد الرواتب فقط إلا أن ذلك لا يعني أنهم «فكّوا» إضرابهم إنما يعتبر ذلك عملاً داخلياً بين الزملاء وهم مشكورون عليه».
وعلمت «نداء الوطن» من مصادر مالية أن «إجراءات تسديد الرواتب لن تستغرق الكثير من الوقت كون الزملاء باشروا بها قبل بدء إضرابهم.
التداعيات الإقتصادية
لكن ماذا لو لم يوافق موظفو مديرية الصرفيات في وزارة المال على تسيير شؤون رواتب زملائهم في الإدارات العامة؟
يبلغ عدد موظفي القطاع العام نحو 350 ألف مستخدم، ويقول المستشار المالي والمصرفي نيكولا شيخاني لـ»نداء الوطن» إنهم يشكلون كتلة نقدية كبيرة تتراوح بين 30 و40% من القيمة الإستهلاكية وبالتالي عدم قبض رواتبهم في نهاية الشهر سيكون له تداعيات سلبية على القطاع الخاص بسبب انكماش الحركة الإستهلاكية وبالتالي على الإقتصاد ككل». ويضيف: «القطاع الخاص «يعكّز» على موظفي القطاع العام الذين يقبضون رواتبهم من جهة وينفقونه على شراء المواد الغذائية مثل البطاطا والدجاج والفواكه… إذا لم يحصلوا على الرواتب فسيشدّون الحزام، ما سينعكس على الحركة الإستهلاكية وبالتالي على القطاع الخاص.
واعتبر أن المغتربين الذين نعوّل عليهم في الشهرين المقبلين سينقذوننا، وسيحرّكون العجلة السياحية ولكن هذا غير كافٍ إذ نحتاج إلى تحريك العجلة الإقتصادية والإستهلاكية التي تتصل بالإنتاجية.
وحذّر شيخاني من الإنهيار التام وما يسمّى بالـBlack out of the country لأن ما يحصل في البلاد أمر خطير جداً في ظلّ تعطّل كل القطاعات.
إذا تجاوز القطاع العام اليوم «قطوع» الرواتب علماً أنها ليست المرة الأولى التي يواجه فيها هذا القطاع تهديداً بعدم تسديد رواتب العاملين فيه المنهارة قيمتها نهاية الشهر، اذ سبق ان تعرض لهزات سابقة لأسباب مالية، لكن يبقى استحقاق فكّ الإضراب العام وتسيير الشؤون العامة مشكلة المشاكل في دولة فعلاً مفلسة، وتتجه الأوضاع المعيشية اليومية فيها من سيّئ إلى أسوأ!.
باتريسيا جلّاد – نداء الوطن