وسطَ زحمة الملف الحكوميّ، لا تنكرُ مختلف الأطراف السياسية أنّ الأمن في لبنان “واقف على شوار”. حُكماً، المسألةُ هنا لا تحتملُ الشكّ، فالظروف الاقتصادية المتردية ضاغطة بشدّة كما أن الضبابية السياسيّة تحكمُ المشهد برمّته، وثمّة حديثٌ متداول في الشارع أساسهُ أن الوضع قد ينفجر في أي وقت، وهذه لحظة تنتظرها جهاتٌ عديدة للبروز والظهور.
يوم أمس، كانت لافتةً تغريدة رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط حول ضرورة الدعم المادي للجيش والقوى الأمنية. هنا، قد تأخذ التغريدة أبعاداً عديدة أساسها أن المؤسسات العسكريّة بدأت تُعاني فعلاً من تردّي الأوضاع، وهو أمرٌ سينعكسُ سلباً على المشهد الأمني ككل ،لاسيما أن الجرائم المتنوعة باتت تزدادُ بشكل ملحوظ على صعيد المناطق كافّة. إضافة إلى ذلك، تكتسبُ تغريدة جنبلاط بُعداً مطلبياً باتجاه عنصرين أساسيين في المعادلة القائمة: الدولة اللبنانية بما تمثله من مؤسسات، والمجتمع الدولي بما يمثله من جهاتٍ ودول راعية للبنان.
في ما خصّ العنصر الأول، أي الدولة، يبدو واضحاً العجز الذي تغرق فيه بسبب الأزمة المالية، فالمساعدات الاجتماعية التي تُقدّم للعسكريين تخسر قيمتها تباعاً في ظل تدهور القدرة الشرائية واندثار قيمة الليرة أمام الدولار. مع ذلك، فإن قدرات الدولة الماليّة لا تكفي أبداً لتمويل احتياجات المؤسسات الأمنية، إذ تبين أن أغلبها يعتمد مبدأ التقشّف في مختلف الأمور.
خلال آخر جلسة للحكومة الحاليّة، كان هناك طرحٌ من قبل وزير الدفاع موريس سليم لتمويل الجيش بـ80 مليار ليرة لبنانية من أجل إطعام العسكريين، لكن ما تبين هو أن هذا المبلغ لا يكفي لإتمام هذا الأمر بشكل دائم ومتواصل، خصوصاً أن عدد الوجبات التي يمكن الحصول عليها من خلال المبلغ المذكور لا تسندُ الجيش بأكمله. عندها، دخل وزيرٌ آخر على الخط بشكل علني، فلفت إلى أنه وسط وجود عدم قدرة كافية على إطعام الجيش، كيف يمكن الطلب منه القتال والانخراط في المواجهة المرتبطة بملف ترسيم الحدود البحرية؟
ما قاله هذا الوزير خلال الجلسة لا يُعتبرُ انتقاصاً من قوة الجيش ومكانته، بل كان تصويباً لحقيقة شاخصة بقوّة، وأساسها إن القوى الأمنية تعاني الكثير، لكن ما يجعل الأمور متماسكة هو أن قيادات تلك المؤسسات الأمنية تسعى بجهد للحفاظ على متانتها وذلك عبر تقديم الكثير من التسهيلات للعسكريين وتخفيف الضغط عنهم.
أما في ما خصّ الجهات الدولية المانحة، فاهتمامها بالمؤسسات الأمنية والجيش كبيرٌ جداً، إذ أن الدعم لم يتوقف، وهو أمرٌ كان المساهم الأكبر في صمود المؤسسات العسكرية الأمنية. ففي ظل العجز المالي الذي يضرب الدولة، وفي ظلّ “غياب الثقة” بها، يعتبر الإصرار الأميركي والفرنسي والعربي على تمكين الجيش أساسياً، باعتبار أن دوره أساسي في هذه المرحلة المفصلية، كما أن وحدته وترابطه هو علامة بارزة تؤكد أن الأمور ما زالت في الإطار السّليم.
مع هذا، كان لافتاً الحديث عن لبنان في البيان السعودي – المصري المشترك الذي صدر أول من أمس عقب زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى مصر خلال اليومين الماضيين. في ذلك البيان، أكد الجانبان حرصهما على “أمن الأراضي اللبنانية واستقرارها ووحدة أراضيها وأهمية مواصلة الجهود الرامية إلى الحفاظ على عروبة لبنان وأمنه واستقراره، ودعم دور مؤسسات الدولة اللبنانية، وإجراء الإصلاحات اللازمة بما يضمن تجاوز لبنان لأزمته، وألا يكون منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات والجماعات الإرهابية التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة، وألا يكون مصدراً أو معبراً لتهريب المخدرات”.
مضمون هذا البيان يعتبرُ إشارة إضافية على أن هناك تمسكاً عربياً بالحفاظ على أمن لبنان، كما أن السعي كبيرٌ جداً من قبل الدول العربية لدعم لبنان في مكافحته لتهريب المخدرات. مع ذلك، فإنّ هذا الالتفاف العربي يُقابله دخولٌ أميركي على الخط، وما زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الأخيرة إلى لبنان سوى دلالة على أنه لا توجد رغبة لاندلاع نزاع مسلح في لبنان. مع هذا، فإن زيارة هوكشتاين لقائد الجيش العماد جوزف عون كانت دلالة واضحة على تمسك الولايات المتحدة بالجيش والإصرار على دوره في حفظ الأمن والنظام.
حتماً، التمسك الأميركي بالجيش بات يتعزّز أكثر فأكثر، باعتبار أن تقوية المؤسسات الشرعية التابعة للدولة يقطع الطريق أمام توسع “حزب الله”، كما أنّ الحفاظ على الاستقرار في لبنان هو عاملٌ أساسي لمنع موجات جديدة من الهجرة والنزوح. إضافة إلى ذلك، يرى الأميركيون والفرنسيون أيضاً أن انفلات الوضع في لبنان سيجعل أمن “إسرائيل” مُهدّد، إذ ستصبح الحدود مشرّعة أمام أعمالٍ عسكرية تستهدفُ شمال فلسطين المحتلة، ما يعني انعداماً للأمن هناك.
في ظل ما تقدّم، تكمن أهمية الثبات الأمني في لبنان، وما يتبين أكثر هو أنّ القوى الأمنية تعمل وفق جهوزية عالية كما أن الاستنفار على مختلف المستويات قائم. أما الأمر الأهم، فهو أنّ مجمل العسكريين ما زالوا يتمسكون بخدمتهم، والدليل الأكبر على ذلك هو أن عمليات الفرار من المؤسسات العسكرية محدودة ولا تؤثر على بنية الجيش والألوية والوحدات المختلفة.
المصدر: خاص “لبنان 24”
ch23