إذا كانت الاوساط القريبة من القصر الجمهوري ترى انّ تحديد موعد الاستشارات خلال الاسبوع المقبل، هو موعد طبيعي لإفساح المجال امام النواب والقوى السياسية لحسم خياراتها وتحديد من تراه مناسباً لتشكيل الحكومة في هذه المرحلة، فإنّ مصادر سياسية واسعة الاطلاع أكّدت لـ»الجمهورية» انّ «مردّ التأخير في هذه الاستشارات هو ما بات يسمّى بـ»صراع رغبات» بين اطراف يسعى كل منها لفرض شخصية تلائمها لتشكيل حكومة ما تبقّى من عهد الرئيس ميشال عون، وربما حكومة ما بعد العهد».
وبحسب الأجواء السائدة عشية الاستشارات فإنّ سحابة من الغبار السياسي تحجب مشهد التكليف، والوجهة التي ستسلكها اختيارات النواب في استشارات يوم الخميس. وإذا كان الرئيس نجيب ميقاتي ما زال يتصدّر نادي المرشّحين لتشكيل الحكومة الجديدة، الّا انّ حركة الاتصالات الجارية حول هذا الاستحقاق، وكما يكشف مطلعون على أجوائها لـ»الجمهورية»، تعكس توجّهات مختلفة ومتصادمة:
الأول، ثنائي حركة «امل» و»حزب الله» وحلفاؤهما، إضافة الى عدد من النواب المستقلين، مع إعادة تسمية ميقاتي لرئاسة الحكومة.
الثاني، «التيار الوطني الحر»، الذي حسم رئيسه جبران باسيل رفض تسمية ميقاتي. وثمة من يتحدث عن ميله لتسمية شخصية جديدة لم يسبق لها ان خاضت تجربة رئاسة الحكومة.
الثالث، «القوات اللبنانية» و»الحزب التقدمي الاشتراكي»، اللذان اعلن رئيس حزب «القوات» سمير جعجع قبل ايام قليلة انّهما نسّقا موقفيهما حيال الاستحقاق الحكومي، وثمة من يتحدث عن ميلهما لتسمية السفير السابق نواف سلام.
الرابع، «نواب التغيير»، وكذلك «حزب الكتائب»، فقد حسما موقفهما مسبقاً من عدم المشاركة في الحكومة، وبالتالي عدم تسمية ميقاتي.
أمام هذه التوجهات المتناقضة، تلفت مصادر سياسية عبر «الجمهورية»، الى انّه بعدما هدأت عاصفة ملف الترسيم، يبدو انّ لبنان مقبل على عاصفة حكومية.
وتشير المصادر الى انّ ميقاتي يبقى الأوفر حظاً حتى الآن في إمكان اعادة تكليفه تشكيل الحكومة، وخصوصاً انّه يحظى بأصوات الاكثرية النيابية، التي صوّتت للرئيس نبيه بري في جلسة انتخاب هيئة مكتب المجلس.
الّا انّ مصادر اخرى لفتت «الى إمكان تعذّر ذلك في حال برزت مداخلات من جهة ما، لإشعال معركة على حلبة الاستشارات الملزمة، جوهرها عدم تكريس أكثرية جديدة في مجلس النواب، وذلك عبر مبادرة القوى السيادية والتغييرية الى الردّ على انتخابات رئاسة مجلس النواب ومحاولة التعويض عن الخسارة المعنوية التي مُنيت بها، وتحت عنوان: «أخذتم في رئاسة المجلس النيابي، وسنأخذ في رئاسة الحكومة».
ودعت المصادر في هذا السياق، إلى رصد وجهة موقف «اللقاء الديموقراطي» من ميقاتي، حيث انّه حتى الآن، ليس في الإمكان الحسم بأنّ موقف «اللقاء» يميل الى إعادة تسمية ميقاتي، وخصوصاً انّ رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، لطالما عبّر عن تأييده تسمية السفير نواف سلام، وهو الامر الذي ينطبق ايضاً على «القوات اللبنانية».
في هذا السياق، استغرب النائب جان طالوزيان في حديث مع الانباء الالكترونية تأخير الاستشارات كل هذه المدة، وقال: “ربما كان السبب الضجة التي أثيرت في ملف ترسيم الحدود البحرية وزيارة اموس هوكشتاين. المهم انها تحددت فالمطلوب تشكيل الحكومة فالبلد على شفير الانهيار”، مستبعداً في الوقت نفسه تشكيل الحكومة بوقت قريب لأن كل الحكومات التي تشكلت بعد ٢٠٠٥ استغرقت وقتاً كي تؤلف، وهذه الحكومة قد تأخذ وقتا اضافيا، داعياً الى حكومة أقطاب مصغرة تأخذ على عاتقها انقاذ البلد من جهة وكي لا يخرج الوزراء من الجلسة للوقوف على خاطر مرجعياتهم من جهة ثانية.
عضو كتلة التنمية والتحرير فادي علامة تساءل بدوره عن الأسباب التي أخرت موعد الاستشارات الى هذا الوقت والتي كان يجب أن تتم قبل هذا التاريخ.
علامة أشار عبر الانباء الالكترونية الى ان تحديد موعد الاستشارات لا يخضع الى الروتين الدستوري، داعياً الكتل النيابية الى التكاتف لحل الأزمة لأن المهام المطلوبة صعبة ومعقدة وهناك ضرورة كي ينجح الرئيس الذي سيكلف تشكيل الحكومة بمهمته فهناك مهام أساسية تنتظره.
وفي موضوع تسمية الشخص الذي سيكلف تشكيل الحكومة، لفت الى اجتماع للكتلة قريباً برئاسة الرئيس نبيه بري للاتفاق على الاسم.
من جهته، رأى عضو تكتل نواب اللقاء العكاري النائب وليد البعريني في حديث مع الانباء الالكترونية ان مسألة التأخير في تحديد الاستشارات تخص رئيس الجمهورية وعليه تقييم الامور، وربما راى أن الوضع لا يتطلب سرعة في التأليف ولهذا السبب يأخذ وقته في تحديد موعد الاستشارات. ولكن المهم تشكيل حكومة انقاذ تأخذ على عاتقها انقاذ الوضع المأزوم.
وحول تسمية التكتل الرئيس نجيب ميقاتي، أشار الى أن هذا الأمر غير محسوم، وفي حال اتفقنا على تسمية ميقاتي سيكون ذلك ضمن شرط نعلن عنها في حينه.
أسبوع إذا سيكون بمثابة غربلة اسماء وطروحات وصيغ تسبق موعد الاستشارات، التي لا شيء يضمن أنها ستجري وسط اتفاق مسبق، وبالتالب يبقى للمفاجات مكان.
الى ذلك، قالت مصادر سياسية متعددة الانتماءات لـ”الشرق الاوسط” إن رئيس الجمهورية ميشال عون يستبق دعوة النواب للاشتراك في الاستشارات النيابية لتسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة بوضع شروطه على الرئيس المكلف التي تأتي متطابقة للشروط الموضوعة من قبل رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل. وكشفت أنه يشترط إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وإدراج بند التعيينات الإدارية على جدول أعمال الحكومة العتيدة فور نيلها ثقة المجلس النيابي واسترداد الأموال التي تم تحويلها بعد انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 من خلال البت بالتدقيق الجنائي.