تكثر العناوين التي تطرح على الطاولة اللبنانية، لا بل يمكن القول ان المواطن اللبناني يعيش في تقلب دائم وسريع على صعيد المواضيع العامة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يتعاطى أو يتفاعل معها.
وهذا الكلام يمكن التأكد منه من خلال نظرة سريعة على وسائل التواصل الاجتماعي لاسيما “فيسبوك” و”تويتر” حيث يتجسد الواقع اللبناني على لسان “المغردين” و”الفيسبوكيين” من دون اي تجميل او محاولة لتدوير الزوايا، اخفاء لبعض الشوائب.
فمن خلال وسائل التواصل الاجتماعي يمكن اكتشاف كمية المواضيع التي يوضع المواطن اللبناني على تماس معها، كما يمكن اكتشاف سرعة تبديل اهتمامات المواطن وتنقله من قضية الى أخرى.
وفي هذا الاطار وعلى سبيل المثال لا الحصر طبعا، نرى ان اللبناني خلال شهر حزيران 2022، انشغل بمواضيع يفوق تعدادها أيام الشهر التي مرّت حتى اليوم، وقد يكون أبرزها، التعليق على جلستي انتخاب رئيس ونائب رئيس لمجلس النواب وجلسة انتخاب اللجان النيابية، كما متابعة التعليق على نتائج الانتخابات النيابية والكتل الممكن ان تفرزها بالاضافة الى الحديث عن الأكثريات والأقليات في عالم التشريع السياسي اللبناني.
وفي حزيران ايضا، انكب المواطن اللبناني على متابعة أخبار ترسيم الحدود والمراسيم المتعلقة فيها، بالاضافة الى تحركات العدو الاسرائيلي في هذا المجال وردات الفعل اللبنانية الرسمية او الصادرة عن “حزب الله”، كما تابع المواطن بدقة زيارة الوسيط الاميركي لترسيم الحدود البحرية الجنوبية آموس هوكشتاين الى لبنان ولقاءاته مع المسؤولين بحثا عن قرار لبناني بما يخص الخطين 23 و 29.
وخلال هذا الشهر ايضا، انشغل المواطن اللبناني في تعداد أرقام ونسب المغتربين والسياح الذين من المفترض ان يزوروا لبنان خلال الصيف الحالي، ما يؤشر الى حركة اقتصادية قد تساعد على تخفيف وطأة الأزمة الحالية.
وبطبيعة الاحوال وبوتيرة أقل حدة عن وتيرة متابعة المواضيع المذكورة، لاحق اللبناني أخبار الدولار وبعض الاخبار الاجتماعية المرتبطة بالجرائم والقتل والانتحار التي تبدو نسبها مرتفعة خلال هذه الأيام.
وفي هذا الصعيد يرى البعض ان اهتمامات اللبناني وانظاره تتجه نحو المواضيع السياسية الشائكة والاجتماعية أكثر من المواضيع المرتبطة مباشرة بالازمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يعيشها، وهذا ما يشير الى امكانية وجود محرّك او مقرر يعمل بصورة غير مباشرة او خفية لتحويل نظر المواطن عن همه الأساسي وإلهائه بمواضيع لن تؤثر فعلا على مسار حياته اليومي والمعيشي بطريقة مباشرة، او الى امكانية عيش اللبناني حالة الرفض وعدم التصديق، اي بمعنى آخر عيش ما يعرف بمحاولة الهروب من الحقيقة والواقع نظرا لعدم قدرته على المواجهة والمقاومة.
وفي كل الأحوال، لا بد من الاشارة الى ان الأزمة الاقتصادية التي يغض المواطن النظر عنها،والتي ما زال منكفئا او غير فاعل بالتعاطي معها، أكان على صعيد الرفض ورفع الصوت او على صعيد محاولة احداث فرق ما أو تغيير ما في جدارها الصامت، ستفرض نفسها دون منازع عندما تصل الى فترة الذروة، اي الفترة الأكثر صعوبة.
وفي السياق، يؤكد مرجع اقتصادي متابع للحراك المالي والاقتصادي اللبناني أن ” الأزمة لم تصل بعد الى مرحلة الصعوبة التي تسبق عادة المرحلة الأشد صعوبة، وبالتالي يمكن القول ان الازمة الاقتصادية اللبنانية التي أصبح عمرها بين 3 و 4 سنوات، ما زالت في اطار تكوين نفسها وهذا ما يسمح للمواطن ان يجد بعض المخارج التي تمكنه من تحملها والتعاطي معها وذلك بنسب مختلفة بين فئة وأخرى”.
ويضيف ” اذا استمرت الأمور على حالها، فان فترة الصعوبة في الأزمة قد نصل اليها في غضون سنتين او سنتين ونصف السنة، فالمواطن خلال هذه الأيام ما زال يعيش من الخيرات التي جناها خلال الفترة السابقة للـ2019، وعمليا ستبدأ مدة صلاحيات هذه الخيرات بالانتهاء مع مطلع العام 2025.
ولتفسير هذا الكلام، نورد بعض الامثلة المتعلقة بالمعدات الكهربائية والالكترونية التي اشتراها المواطن ما قبل الأزمة والتي ستحتاج الى تغيير او صيانة بشكل أكيد بعد مضي أكثر من 5 سنوات على تشغيلها، كما ان السيارات ستحتاج الى صيانة لاسيما على صعيد الاطارات والمحركات وهذا كله تحوّل العمل فيه من الليرة اللبنانية الى الدولار الاميركي.
كما ان الشريحة الواسعة من المواطنين، تقوم باستخدام الدولارات التي تمكنت من جنيها والمحافظة عليها في خزائن المنازل على شكل “تقطير” لتمرير المرحلة، وبالتالي ووفقا لعدة احصاءات لن تدوم هذه الدولارات لأكثر من 5 سنوات”.
ويختم المرجع مؤكدا ان “هذا السيناريو هو الاكثر دقة وهو ما دخلت فيه معظم الدول التي عرفت الأزمات الاقتصادية والتي لم يتمكن نظامها السياسي من ايجاد حلول سريعة لها”.
المصدر :لبنان24