شهدت أسعار صرف الدولار في بيروت تقلبات مفاجئة، تخلّلها تراجع في سعر العملة اللبنانية صباحاً قاربت نسبته 10 في المائة، مع صعود الدولار من حد 28 ألف ليرة إلى عتبة 31 ألف ليرة، قبل أن يعود الاستقرار الهش لعمليات التسعير قريباً من مستوى 30 ألف ليرة لكل دولار، في فترة بعض الظهر.
وبالتوازي، تستمر فوضى تسعير المواد والسلع في أسواق الاستهلاك على وتيرتها الحادة، متسببة في تآكل إضافي وشبه يومي في القدرات الشرائية للغالبية العظمى من المقيمين. ويزيد خصوصاً من تفاقم الاختلال المعيشي، الارتفاع المطرد وشبه اليومي في أسعار المشتقات النفطية، ومعها كلفة التزود بالكهرباء عبر المولدات الخاصة التي أضحى متوسطها الأدنى يقارب 3 ملايين ليرة شهرياً، أو نحو 4.5 أضعاف الحد الأدنى للأجور.
وفي مواكبة ميدانية لـ«الشرق الأوسط»، تبين أن المحفز الأهم لإعادة تأجيج المضاربات على الليرة أمس، تمثل بترويج معلومات من مصادر صرّافين وناشطين في أسواق المبادلات غير النظامية، عن قرار وشيك لمصرف لبنان المركزي بإيقاف العمليات النقدية عبر منصة «صيرفة» التي يديرها، ويتيح من خلالها إتمام عمليات بيع الدولار النقدي لقاء السيولة النقدية بالليرة، بسعر يقل عن 25 ألف ليرة لكل دولار، وذلك من خلال البنوك وشركات الصرافة الكبرى المشاركة.
واستمدت هذه المعلومات صدقية غير مكتملة، بفعل إقدام معظم البنوك على إبلاغ الزبائن الوافدين لإجراء عمليات التبديل من الليرة إلى الدولار بوقف «مؤقت» لتنفيذ العمليات وإلى حين توفر كميات كافية من قبل البنك المركزي، ليتبيّن لاحقاً أن «تقنين» ضخّ الدولارات النقدية اليومية سيخضع لتدبير جديد يقضي بتخصيص الأفراد بحصة تبديل لا تتخطى 500 دولار شهرياً، وهو ما عكسته حصيلة عمليات اليوم الأول للأسبوع الحالي التي تقلص متوسطها ما دون النصف المسجل سابقاً، لتسجل 55 مليون دولار بسعر 24.7 ألف ليرة لكل دولار. وذلك يعني التخلي عن «الكوتا» المفتوحة التي تم العمل بها في الأسبوعين الماضيين، على ألا يشمل هذا التوجه الحصص المخصصة للشركات حتى «إشعار آخر».
وريثما يفصح البنك المركزي رسمياً عن الآلية المعدلة لتنفيذ العمليات النقدية الجديدة عبر منصة «صيرفة»، ارتفع منسوب التوجّس في الأسواق من ارتدادات إعادة النظر بالضخ النقدي للدولار من خلال منصة «صيرفة» على كامل المنظومة الاستهلاكية التي تعاني أصلاً من اختلال، بعدما تعدى متوسط الغلاء التراكمي سقف 1100 في المائة حتى نهاية شهر نيسان الماضي. ويثير ذلك المخاوف من تسريع دخول البلاد في موجات التضخم المفرط والمتفلت من أي قيود، بسبب اعتماد التجار والمستوردين لسعر افتراضي لليرة يفوق بنسب تقارب 30 في المائة السعر المتداول من جهة، وباحتساب -مسبق غالباً- لانعكاسات محققة أو مرتقبة لصعود موجات التضخم في العالم على خلفية الحرب الأوكرانية وتداعياتها.
وكشفت جولة ميدانية أجرتها «الشرق الأوسط» في عديد من محلات «السوبرماركت» ومحلات البيع بالتجزئة، اعتماد أغلبها سعراً قريباً من 40 ألف ليرة للدولار كمرجعية تسعير، لا سيما أسعار المواد الغذائية والحليب والألبان والأجبان ومنتوجات المخابز (باستثناء الخبز العربي الذي يتم تحديد سعره من قبل وزارة الاقتصاد) والحلوى. وكذلك سلة مختارة للمقارنة من مواد التنظيف والغسيل والصابون، وسواها من المواد الاستهلاكية اليومية. بينما تستمر كلفة المطاعم و«السناك» والمأكولات الجاهزة تحلق وتفوق قدرة الغالبية العظمى من المقيمين.
ومع الارتفاعات شبه اليومية التي تطرأ على أسعار المشتقات النفطية والغاز المنزلي، بتأثير من ارتفاع أسعار النفط العالمية، برز أمس تداول معلومات بإيقاف التمويل الدولاري لشركات استيراد المحروقات عبر منصة البنك المركزي، بهدف تحويله لتغطية تمويل استيراد «الفيول أويل» لصالح مؤسسة الكهرباء، ضمن اقتراح يهدف إلى رفع ساعات التغذية بالتيار العمومي من 4 إلى 10 ساعات يومياً، لقاء رفع مصاحب للتعريفة إلى حدود الكلفة، وذلك في مسعى من الحكومة لتحقيق توازن مالي نسبي بين مصروفات وموارد مؤسسة الكهرباء، وبالتالي الرجوع إلى سياسة تمويل العجوزات التي تتطلب نحو 130 مليون دولار شهرياً، وهي متعذرة تماماً في الظروف الحالية.
لكن الوفر الذي تنشد المؤسسة تحقيقه للمستهلكين من خلال خفض كلفة التزود بالتيار بنسب تراوح بين 40 و50 في المائة، مقابل ما يتكبده المواطن لصالح المولدات الخاصة، والمرتقب أن يناهز 70 سنتاً لكل كيلوواط بنهاية الشهر الحالي، سيتعرض -وفق مصادر متابعة- إلى استنزاف لاحق للجزء الأكبر منه، نتيجة الأثر الفوري لارتفاع كلفة تبديل الدولار من قبل شركات المحروقات؛ حيث يرجّح تحميل زيادات فوارق لا تقل عن 15 في المائة على أسعار المحروقات، لتبلغ مستويات قياسية أعلى، بعدما اخترقت أمس عتبة 700 ألف ليرة للصفيحة من مادتي البنزين والمازوت. وهذا الأثر سيلحق حتماً بتكاليف الانتقال والنقل التي يتم احتسابها ضمن بنود المنظومة الاستهلاكية.
علي زين الدين – الشرق الأوسط