تعددت الخطط والنتيجة واحدة: “لا كهرباء”. هذا اختصارٌ لواقع قطاع أنفقت عليه الدولة مليارات الدولارات بعد الحرب لنصل في العام 2022 الى “صفر” كهرباء لولا الفيول العراقي الذي يحصل عليه لبنان شهريا ويؤمّن نحو 3 ساعات من التغذية، اضافة الى ساعة توفرها المعامل المائية.
نجح وزير الطاقة والمياه وليد فياض في إتمام الاتفاقات مع كل من الاردن وسوريا ومصر لتزويد لبنان الطاقة، إن على شكل ساعات تغذية بالكهرباء الاردنية بين 150 و250 ميغاواط، او بالنسبة الى الغاز المصري الذي سيعبر خط الغاز العربي عبر سوريا وصولا الى معمل دير عمار لتأمين توليد ما يقارب الـ 450 ميغاواط من الكهرباء، ليبقى تطبيق هذه الاتفاقات رهن موافقة #البنك الدولي على تمويل المشروع وإقرار الادارة الاميركية “إعفاءً” للشركات التي ستعمل على المشروع يحميها من تبعات “قانون قيصر” الذي يفرض عقوبات على سوريا ومن يتعامل معها من افراد وكيانات. حتى اللحظة لا تقدم بالنسبة الى موافقة البنك الدولي على تمويل المشروع رغم التصريحات الدائمة لمسؤوليه بأن المؤسسة الدولية مستعدة لتمويل استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الاردن برعاية اميركية. على الصعيد التقني كل شيء أصيح جاهزا بحسب ما تؤكد مصادر متابعة للملف لـ”النهار”، إن بالنسبة الى شبكات الكهرباء التي تعبر من الاردن الى سوريا وصولا الى لبنان، او بالنسبة الى خط انابيب الغاز التي تربط بين مصر ولبنان مرورا بالاردن وسوريا. وكان الوزير فياض يعول على تأمين ما يقارب 10 ساعات كهرباء كنتيجة للخطة القصيرة الاجل التي وضعتها وزارة الطاقة بانتظار إقرار الخطة الطويلة الاجل التي تلحظ بناء معامل في لبنان. فخطة الـ 10 ساعات تغذية يوميا والمستبعد ان تبصر النور “عمليا” قريبا، تلحظ 450 ميغاواط من دير عمار يتم إنتاجها من خلال الغاز المصري، اضافة الى 250 ميغاواط من الكهرباء الاردنية و100 ميغاواط من الطاقة المائية، يضاف اليها ما تنتجه المعامل من خلال استخدام الفيول العراقي الذي تراجعت كمياته الى لبنان من 60 الف طن شهريا الى نحو 40 الفا، بينما كان يجب ان يؤمن هذا الفيول حوالى 4 ساعات من الكهرباء. وتؤكد المصادر ان البنك الدولي وضع سلسلة شروط على الدولة اللبنانية لتمويل مشروع إستجرار الغاز المصري والكهرباء الاردنية، وقد نفذت وزارة الطاقة والحكومة اللبنانية هذه الشروط ليعود البنك ويفرض شروطا إضافية للموافقة على التمويل تؤكد مصادر الوزارة إستحالة تطبيقها قبل الحصول على التمويل ووصول الغاز والكهرباء، علما ان شروط البنك الدولي تنحصر حاليا بالجدوى السياسية لهذا المشروع، وهنا اللغز الكبير. فالبنك الدولي لا يسير بتمويل ايّ من مشاريع الطاقة في لبنان قبل البحث في المقاربة السياسية الكاملة للمشروع وتوقيته، خصوصا ان الوضع في لبنان دخل مرحلة خطيرة بالنسبة الى ملف ترسيم الحدود البحرية واشتداد النزاع مع الجانب الاسرائيلي حول الخطوط، فيما يراقب البنك الدولي ما ستخرج به الوساطة الاميركية في هذا السياق.
عقود الغاز باتت جاهزة مع سوريا ومصر، وقد حصلت وزارة الطاقة في الفترة الماضية على رسالة من وزارة الخزانة الاميركية فحواها أنها مطّلعة على مشروعي جرّ الغاز والكهرباء عبر سوريا، وأنه من خلال قراءتها لطريقة التعاقد، واستجداء سوريا لأتعابها عن هذا الموضوع وهو أخذ جزء من الكهرباء وليس المال، تبين أن هذين العقدين لا يخضعان لأي من العقوبات الأميركية المفروضة وفقا لـ”قانون قيصر” ولكن مع اعتماد كلمة “مبدئيًا”، وبانتظار حصول الادارة الاميركية على إجابة عن بعض الأسئلة من قِبل الدول المعنية، وبانتظار الرسالة النهائية التي تلحظ الاعفاء من “قانون قيصر” بعد اكتمال كل عناصر المشروع.
وإذا ما اخذنا في الاعتبار كل المعطيات الواردة حول قطاع الكهرباء وما قد تحمله المرحلة المقبلة، فأمام لبنان 4 سيناريوات محتملة لما بعد أيلول المقبل موعد انتهاء عقد إستجرار الفيول العراقي.
السيناريو الاول: الدخول في العتمة الشاملة او القدرة على تأمين ساعة تغذية بالحد الاقصى (معامل مائية) في حال عدم تمديد او تجديد الجانب العراقي للعقد الموقّع مع لبنان لزوم تشغيل معامل انتاج الكهرباء، بالتوازي مع عدم تأمين البنك الدولي الاموال اللازمة لتمويل مشروع إستجرار الغاز المصري الى دير عمار او عدم تمويل إستجرار الكهرباء الاردنية، ليبقى الحل الموجود أمام الحكومة هو السحب من اموال السحب الخاصة التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي لشراء الفيول، او موافقة الحكومة على المسّ بما تبقى من ودائع المواطنين لدى مصرف لبنان.
السيناريو الثاني: في حال وافق الجانب العراقي على تمديد او تجديد العقد مع لبنان خلال المفاوضات التي يتوقع ان يجريها وزير الطاقة في الاسابيع المقبلة، يمكن لهذا الامر ان يساعد في الحفاظ على قدرة إنتاجية لدى المعامل تؤمّن حتى 4 ساعات من التغذية يوميا بعد شهر أيلول، هذا في حال أبقى العراق على الكميات التي يؤمنها حاليا من الفيول لزوم معامل الانتاج في لبنان، وفي حال خفض هذه الكميات أكثر ستتراجع ساعات التغذية حتما.
السيناريو الثالث: في حال أقر البنك الدولي تمويل استجرار الكهرباء الاردنية والغاز المصري اضافة الى تمديد العقد مع العراق، فهنا يمكن الوصول الى ما يقارب 10 ساعات من التغذية على ان تتراجع في حال لم يمدد العراق العقد أو خفض الكميات التي يزود لبنان بها.
السيناريو الرابع الذي يمكن البحث فيه حاليا هو تأمين مصادر أخرى لاستيراد الفيول اويل والغاز اويل لزوم معامل انتاج الكهرباء بأسعار قد تكون تفضيلية يمكن ان يسدد ثمنها لبنان في حال زيادة التعرفة ضمن شطور إنطلاقا مما ورد في خطة الكهرباء المحدثة. فالعديد من الدول تقدم أسعارا تفضيلية يمكن الاستفادة منها شرط تأمين التمويل بعيدا عما تبقى من عملات اجنبية لدى البنك المركزي. وفي حال السير بهذه الخطوة يمكن تأمين ساعات تغذية على الشبكة بكلفة قد تكون اقل مما يدفعه المواطن حاليا للمولدات الخاصة.
كل الاحتمالات واردة وكل السيناريوات ممكنة، ولكن الاهم هو التأكيد على ان الفترة الممتدة حتى ايلول المقبل لن تؤمن الشبكة أكثر من 4 ساعات من الكهرباء يوميا في حال لم يسارع البنك الدولي الى إقرار التمويل بالتوازي مع ترقّب ما ستؤول اليه المفاوضات مع الجانب العراقي.