خفايا تسوية 2016 تتجدّد بأوهام الغاز والصندوق السيادي

تشير حال النكران التي يعيشها اللبنانيون بفئاتهم كلها إلى الأسوأ على مستويات عدة، وليس سياسيًا واقتصاديًا وماليًا فحسب، بل اجتماعيًا ونفسيًا كذلك.

منذ سنوات ست يعيش لبنان حال نكران معممة وجليّة، بدأت بالتسوية الرئاسية بين سعد الحريري وميشال عون. ويبدو أن التمديد لها سيتجدد بقوى مختلفة. لم تكن تلك التسوية نتاجًا لبنانيًا فقط. فحياكتها كانت خارجية بالكامل. ولو أراد المرء تبسيط ما جرى، يمكنه تشبيهه بأن قوى دولية عدة أنتجت تسوية عبثية في لبنان، فأدت إلى هذا الانهيار العميم.

مُنِح اللبنانيون فرصًا وهمية من الوعود بالإصلاح والمساعدات، كمؤتمر سيدر مثلًا، فيما عملت القوى الداخلية على تقديم وعود بالمصالحات ورفض الحروب السياسية والعسكرية والاهتمام بالجوانب الاقتصادية وفرص العمل. واستمرت التسوية بقوة الوهم طوال السنوات الفائتة، فيما كانت تساؤلات تُطرح حول الخفايا والأسرار التي تستبطنها.

إلى جانب هذه الأوهام بالوئام بين تيار المستقبل وحزب الله والتيار العوني حتى 17 تشرين 2019، تجددت الأوهام وتكثّفت في مرحلة ما بعد ثورة تشرين. الثورة نفسها أغرقت اللبنانيين في شرنقة من الأوهام، يمكن اختصارها بمصطلحات لا تزال تتردد يوميًا: “الإصلاحات، الاتفاق مع صندوق النقد، ضبط الحدود، الصندوق السيادي، أموال المودعين، ضد المنظومة، خطة الإصلاح والتعافي المالي، ترسيم الحدود، لبنان بلد نفطي، استخراج النفط يؤدي إلى ازدهار، الاستثمار في الذهب، أو لدى الدولة أصول كثيرة ولا يمكنها أن تكون على طريق الإفلاس”.

هذه الكلمات كلها غدت عناوين للغرق أكثر في الوهم، وصولًا إلى الحديث المتناقض اليوم عن الصندوق السيادي، أو خصخصة المرافق أو القطاعات الأساسية للدولة، وسواها من سجالات مخترعة ومفتعلة أكثر من الوهم، لن يكون لها أي طائل أو نتيجة.

إنها كلمات وجدال حول آليات يعمق تداولها حال النكران. ذاك يخرج ليقول باللاحل مع المنظومة. آخر يعتبر أن لا حلول في ظل سلاح حزب الله وهيمنته. ثالث يعتبر أن الحلّ يقضي بانهاء الحريرية! وسوى ذلك من الأوهام التي تبقي المسؤولين والقوى بعيدًا من المقاربة الواقعية لما يجري، وبعيدًا عن تحمّل أدنى مسؤولية.

ثمة وهم يستشري اليوم في نفوس اللبنانيين العاديين الذين يراهن بعضهم على الأمل الآتي من الغيب. أو على موسم سياحي يرفد دولارات الأسواق اللبنانية الناضبة، فيعود الانتعاش، فيعيد ما كان يسمّى لبنان أو كانت تسمى دولة. يتعامل هؤلاء مع بقايا وأشلاء. لكأنما هذه المعمورة الصغيرة التي تسمى لبنان أُحرقت عن بكرة أبيها، فيتقاتل كل من تبقى عليها لبيع الجثث والرماد.

وبعيدًا من الكلام العاطفي، ما دفع إلى تسوية 2016 لا يزال قائمًا إلى اليوم: العودة إلى فكرة واحدة، تتمثل في الصندوق السيادي، أو ممتلكات الدولة، إضافة إلى قطاعاتها الأساسية المصرفية، والشركات الاستثمارية، والمرافق العامة والقطاعات التعليمية والتربوية. وكأنما هناك من أغرق لبنان بالديون ليدفعه إلى القبول بكل ما يُملى عليه، القبول بوضع السيف على عنقه.

من البنود الخفية دوليًا لتلك التسوية: استنساخ الخصخصة التي تكرست عليها شركة سوليدير في قطاعات ومرافق أخرى، من الكهرباء إلى الماء فالنفط. ومن المصارف إلى البنى التحتية. ما كان مخططًا له هو إنتاج عدد من الشركات المشابهة لشركة سوليدير في قطاعات ومجالات مختلفة، فيعاد صوغ التركيبة الاقتصادية في البلاد بطريقة تحاكي إنشاء تلك الشركة العقارية. أو تحاكي آلية نشوء النظام الاقتصادي القائم على تحالف بين الأعيان وأصحاب الأموال.

وما كان يتجلى في المصارف ومؤسسات الدولة وتوابعها من صراعات سياسية، يسري أيضًا على مسألة ترسيم الحدود. حتى وصل لبنان إلى الإقرار بمقولة أساسية: حصر رهاناته كلها باستخراج النفط والغاز من البحر، لإنقاذ نفسه من المحق.

إن الوصول إلى هذا الإقرار الجماعي لا يعني سوى خسارة كل شيء، ولا سيما أوراق القوة في المفاوضات وفي ما يأتي بعدها: الاستفادة من عمليات الاستخراج. وتلك نقاط ضعف واضحة وجلية لإسرائيل والوسيط الأميركي وسواهما.

فهذا، أي الحدود البحرية وترسيمها استخراج النفط والغاز، هدفه طي صفحة الصراع الحقيقي: الخطة المالية، هيكلة المصارف، ومن يتحمل مسؤولية الانهيار؟ وهذا معطوف على صراع حول المسؤولية السياسية. وها التخبط اللبناني يتكرر حيال ترسيم الحدود والتنقيب عن النفط والغاز.

وعليه، لبنان متروك لمصيره: استمرار الانهيار، على وقع صراع سياسي مستمر إلى أن تأتي لحظة الاستسلام التي تفرض صفقة جديدة تشبه صفقة العام 2016. لكن بنتائج أخطر وتداعيات أسوأ هذه المرّة. ذلك أن مفاعيلها الخارجية أكثر قوة وتأثيرًا.

يبقى الطرف الأكثر تهميشًا وضعفًا: من تُطلق عليه صفة “مواطن” مع وقف التنفيذ.


عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

أسعار المحروقات في لبنان، سعر البنزين اليوم في لبنان، سعر الديزل اليوم في لبنان، سعر الغاز اليوم في لبنان، سعر النفط في لبنان، أسعار الوقود في لبنان، التحديث اليومي لأسعار المحروقات في لبنان، سعر الوقود في لبنان اليوم، سعر البنزين في السوق السوداء في لبنان، سعر المحروقات في لبنان لحظة بلحظة، سعر لتر البنزين في لبنان، سعر لتر الديزل في لبنان، توقعات أسعار الوقود في لبنان، تحليل أسعار المحروقات في لبنان، سعر الغاز المسال في لبنان، سعر الكيروسين في لبنان، استقرار أسعار المحروقات في لبنان، أثر ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان، تقلبات أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في محطات البنزين في لبنان، أسعار المحروقات في السوق اللبنانية، شراء الوقود في لبنان، تأثير أسعار الوقود على الحياة اليومية في لبنان، أخبار أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في السوق اللبنانية اليوم، fuel prices in Lebanon، gasoline price today in Lebanon، diesel price today in Lebanon، gas price today in Lebanon، oil price in Lebanon، fuel cost in Lebanon، daily fuel price update in Lebanon، Lebanon fuel prices today، gasoline price in black market Lebanon، real-time fuel prices in Lebanon، price of gasoline per liter in Lebanon، price of diesel per liter in Lebanon، fuel price forecasts in Lebanon، fuel price analysis in Lebanon، LPG price in Lebanon، kerosene price in Lebanon، fuel price stability in Lebanon، impact of rising fuel prices in Lebanon، fuel price fluctuations in Lebanon، fuel prices at gas stations in Lebanon، fuel prices in the Lebanese market، buying fuel in Lebanon، impact of fuel prices on daily life in Lebanon، fuel price news in Lebanon، Lebanon fuel market prices today،أسعار المحروقات اليوم في لبنان, Fuel prices in Lebanon, سعر البنزين في لبنان, Gasoline price in Lebanon, سعر المازوت في لبنان, Diesel price in Lebanon, جدول أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel price update, سعر الغاز في لبنان, Gas price today in Lebanon, محطات الوقود في لبنان, Gas stations in Lebanon, توقعات أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel crisis, تأثير سعر الدولار على المحروقات في لبنان, Impact of dollar on fuel prices in Lebanon, أزمة الوقود في لبنان, Lebanon energy crisis, كلفة النقل في لبنان بسبب ارتفاع المحروقات, Rising fuel costs in Lebanon, كيفية توفير الوقود في لبنان, Saving fuel in Lebanon, السوق السوداء للمحروقات في لبنان, Lebanon black market fuel, استيراد المحروقات في لبنان, Fuel import in Lebanon, دعم الحكومة لأسعار المحروقات في لبنان, Fuel subsidies in Lebanon, ارتفاع أسعار الطاقة في لبنان, Oil price Lebanon, تأثير أزمة الطاقة على الاقتصاد اللبناني, Impact of energy crisis on Lebanese economy, كيفية ترشيد استهلاك المحروقات في لبنان, How to save fuel in Lebanon, أسعار الطاقة الشمسية في لبنان, Solar energy prices in Lebanon, محطات تعبئة الغاز في لبنان, Gas filling stations in Lebanon, توزيع المحروقات في لبنان, Fuel distribution in Lebanon, مواعيد صدور جدول أسعار المحروقات في لبنان, Fuel price schedule release dates in Lebanon, تأثير أزمة المحروقات على النقل العام في لبنان, Impact of fuel crisis on public transport in Lebanon, أسعار الوقود في بيروت, Fuel prices in Beirut, أزمة الكهرباء في لبنان, Electricity crisis in Lebanon, تأثير ارتفاع أسعار المحروقات على حياة اللبنانيين, Impact of rising fuel prices on Lebanese citizens, شحن الوقود إلى لبنان, Fuel shipment to Lebanon, استهلاك البنزين في لبنان, Gasoline consumption in Lebanon, مصادر استيراد المحروقات في لبنان, Sources of fuel imports in Lebanon, تسعير المحروقات في لبنان, Fuel pricing in Lebanon, أسعار الوقود المدعوم في لبنان, Subsidized fuel prices in Lebanon, خطة الحكومة لدعم المحروقات في لبنان, Government plan for fuel subsidies in Lebanon, طوابير المحطات في لبنان, Gas station queues in Lebanon, نفاد الوقود في لبنان, Fuel shortages in Lebanon, الاعتماد على المولدات في لبنان بسبب نقص المحروقات, Dependence on generators in Lebanon due to fuel shortages

إرتفاع بتحديث أسعار المحروقات اليوم ↑

أسعار المحروقات في لبنان اليوم أو اضغط هنا لرؤية التسعيرة المستجدة للمحروقات لحظة بلحظة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *