يكفي النظر إلى كتب الإقتصاد لمعرفة أن دور القطاع المصرفي في الإقتصاد والإنماء هو دور محوري، لا بل أكثر من ذلك: “لا وجود لاقتصاد من دون قطاع مصرفي!”
وتعريف القطاع المصرفي يوصلنا إلى القول أنه الممول الأول للإقتصاد، حتى في الإقتصادات التي تتموّل من الأسواق المالية، تلعب المصارف دورًا محوريًا في هذا التمويل إن من خلال الوساطة أو من خلال إدارة الأصول.
وانطلاقا مما تقدم، تستغرب مصادر مالية الاداء الرسمي، قائلة: لم تَرُفّ عين حكومة نجيب ميقاتي حين قامت بإقرار خطة للمس بودائع الناس وبرأسمال المصارف! ولا نعلم إذا كان هذا الأمر عن جهل أو عن قصد، لكن في الحالتين الكارثة كبيرة! بالاضافة إلى أنها تخرق الدستور من خلال المس بودائع الناس ورأسمال المصارف (وهي ملكيات خاصة)، ها هي تُوجّه ضربة قاضية للإقتصاد من خلال ضرب مدماك أساسي في هيكل تمويله.
وتضيف: الخطّة التي رفعتها الحكومة إلى المجلس النيابي لا تحوي بأي شكلٍ من الأشكال على خطط تحفيز للاقتصاد، وأكثر من ذلك لا تقول لنا كيف سيتمّ تمويل الإقتصاد في ظل مصادرة رأسمال المصارف؟ وها هو سعادة الشامي، نائب رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال يكرر نفس الموقف اذ نقلت عنه “رويترز اليوم امس قوله إن على البنوك أن «تبدأ أولاً» تحمل الخسائر الناجمة عن الانهيار المالي للبلاد من خلال رؤوس أموالها، داعياً المصارف إلى «تقديم تضحيات» لحماية المودعين.
وردا على سؤال، تنتقد المصادر الكلام عن خسائر في القطاع المصرفي، موضحة: في الحقيقة أن تلك الخسائر دين على الدولة راكمته الحكومات المتعاقبة التي أقرّت موازنات عشوائية (حين كان هناك موازنات) وصرفت على أساس القاعدة الإثني عشرية مع إعتمادات من خارج الموازنة وذلك على مدى أكثر من 12 عاماً! قطوعات الحساب غائبة منذ العام 2003 ولا إرادة فعلية لإقرار قطوعات حساب لأن ذلك سيكشف من المسؤول عن الصرف العشوائي والذي أطاح بالاقتصاد اللبناني وبماليته العامة وبقطاعه المصرفي وبعملته.
في سياق متصل، يقول مرجع اقتصادي: “خطّة الحكومة لن تمر بسهولة في المجلس النيابي”، ويُعلّل قوله بأن “القوى السياسة تُراهن على الذهب والغاز لسدّ الدين العام ولو كان بطريقة مُلتوية عبر تحميل المسؤولية للمودعين والمصارف. الا أن هذا الأمر لن يمرّ مرور الكرام نظراً لوجود نواب تغييرين ونواب مُعارضين، حيث سيتم فضح الكثير من الأمور وهو ما سيفشل خطة الحكومة حتماً، ولعل مناقشة الموازنة قريباً في المجلس النيابي هو نقطة الانطلاق. أضف إلى ذلك أنه وبعد تمرير الملفات الجيوسياسية الأساسية، سيعاود المجتمع الدولي ملاحقة المعنيين بتهم الفساد”.
وينبه المرجع الى ان “خطّة الحكومة قضت على الإقتصاد من باب الثقة، قائلا: لن يكون هناك بعد اليوم مودعين في لبنان لأن أحداً لن يجرؤ على إيداع أمواله في أي مصرف في لبنان خوفاً من عملية قضم شبيهة بتلك التي تقوم بها الحكومة حالياً عبر تأميمها (غير المباشر) للقطاع المصرفي. ويختم: اذا كان 10% من المودعين يملكون 90% من الودائع، فهذا يعني أن الحكومة ستفقد بالتحديد كبار المودعين والمستثمرين الذين سيبحثون عن مكان أكثر أماناً لودائعهم”.
إذا ومما سبق، يتضح أن الجريمة التي ترتكبها الحكومة ليست فقط بحق المودعين والمصارف، بل هي بالدرجة الأولى بحقّ الإقتصاد اللبناني. فهل هناك من آذان صاغية ؟!
المصدر : منال ابو حيدر – وكالة اخبار اليوم