توقّع زميل ما بعد دكتوراه في “معهد جاكسون للشؤون الدولية” التابع لجامعة ييل الأميركية غريغوري برو أن يصل سعر برميل النفط إلى 150 دولاراً بحلول نهاية أيلول وهو رقم لم يشهده العالم منذ 2008. وباستثناء انكماش اقتصادي أو فرض خفض للاستهلاك بسبب إغلاق تفرضه جائحة، ليس بإمكان إدارة بايدن فعل الكثير لتفادي صدمة الأسعار المقبلة كما كتب.
في مجلة “فورين بوليسي”، عدّد برو أربعة أسباب تدعم هذا التوقع. أولاً، لا يبدو أن استهلاك المنتجات النفطية ينخفض. لقد بقي هذا الاستهلاك في 2022 ثابتاً في الولايات المتحدة عقب غزو روسيا لأوكرانيا. يشتري الأميركيون السلع بكميات كبيرة كما لا يزال النمو في الاقتصاد والوظائف منتعشاً إلى حد ما، على الرغم من الحديث عن التضخم الوشيك المقترن بالركود.
وعادة ما يشهد شهرا تموز وآب ارتفاعاً في استهلاك النفط المخصص لوسائل النقل مثل البنزين والديزل حيث يستقل الأميركيون سياراتهم لقضاء العطلة. وتشهد اقتصادات أخرى ارتفاعاً في الطلب خصوصاً في الصين بعد تخفيف الإغلاق الهادف لمواجهة “كوفيد-19” مما يدفع الاقتصاد الصيني للعودة إلى الحياة بالرغم من انخفاض واردات الوقود بسبب مخزونات البلاد المجهزة بشكل جيد.
واستهلاك البنزين في الاتحاد الأوروبي يبقى أقل من مستويات ما قبل كوفيد-19 ومن المرجح أن يبقى كذلك بفعل قطع الاتحاد جميع واردات النفط من روسيا. مع ذلك، سيبقى الطلب قوياً خارج وداخل الولايات المتحدة ومن المرجح أن يرتفع، خصوصاً في الصين، خلال الأشهر القليلة المقبلة.
السبب الثاني أكثر تعقيداً بحسب برو. ثمة أنواع مختلفة من النفط ويمر الخام عبر مصاف للتكرير حيث يخضع لعمليات كيميائية قبل استخدامه من قبل المستهلكين. تحتاج المصفاة للوقت والجهد حيث أن كل واحدة منها مخصصة لإنتاج منتجات محددة وبكميات محددة. إن إدخال تغييرات في المصافي مكلف ويستهلك وقتاً.
شهد العالم مع كوفيد-19 انخفاضاً في إمكانات التكرير العالمية وتم إغلاق عدد من المصافي في الولايات المتحدة وأوروبا. تم إغلاق بعض المنشآت بسبب الجائحة لكن شركات نفطية كانت تستعد للانخفاض في عدد المصافي منذ أواخر 2019 بفعل شكوك بمستقبل الطلب. لم تلتزم الشركات ببناء مصاف جديدة لأن مخاطر انخفاض الطلب لم تبرر التوسع في الإنفاق. نتيجة لذلك، ومع ارتفاع الاستهلاك، بات الطلب على المنتجات أعلى من إمكانات المصافي بالنسبة إلى إنتاج كل من البنزين والديزل. والمصافي في الولايات المتحدة تعمل بنسبة 93% من طاقتها.
وبينما بإمكان الدول والشركات سحب النفط من المخزونات، فإن هذه الأخيرة تتعرض للاستهلاك بوتيرة سريعة بشكل تاريخي. وهذا سبب ثالث للاستمرار في ارتفاع الأسعار.
إن تجار العقود الآجلة وآخرين ممن يضاربون في أسعار النفط يراقبون عن كثب كمية النفط التي تدخل أو تخرج من المخزونات. يشير الانخفاض الحاد في المخزونات إلى أن الطلب المرتفع سيتواصل حتى مع تراجع الاستهلاك لأنه سيتعين على الشركات أن تستمر في شراء النفط لإعادة ملء مخزوناتها. يشمل ذلك الاحتياط الاستراتيجي الأميركي الذي سيعاد ملؤه هذا الخريف بما يضع ضغطاً إضافياً على الأسعار.
عن السبب الربع، كتب برو أنه في الظروف العادية، يردّ المنتجون على مستويات أعلى من الطلب عبر ضخ المزيد من النفط. لكنْ هنالك مقدار ضئيل بشكل صادم من الطاقة الفائضة المتبقية في اقتصاد النفط العالمي. الولايات المتحدة، أكبر منتج عالمي للنفط، ستزيد الإنتاج إلى 720 ألف برميل يومياً في 2022.
كان المستثمرون بطيئين في ضخ المزيد من المال في الإنتاج الجديد، مع ذلك، وعلى الرغم من ترددهم، إن الانتاج الداخلي على طريق تحطيم أرقام قياسية في 2023. إن القيود المادية، مثل النقص في الأنابيب والعمالة اللازمة للوصول إلى آبار جديدة، ستجعل زيادة إضافية في الإنتاج غير مرجحة بحسب الكاتب.
وأعلنت “أوبك” مؤخراً عن زيادة في الإنتاج بنحو 600 ألف برميل نفط يومياً في تموز وآب لكن الخبراء لا يتوقعون من المجموعة تحقيق هذا المستوى بسبب صعوبات حالية يواجهها الأعضاء فيما يتعلق بالوصول إلى أرقام الكوتا. كذلك، تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية إزالة مليوني برميل نفط يومياً بسبب فرض #بروكسل و#واشنطن حظراً على النفط الروسي وهو رقم أعلى مما يمكن للإنتاج الجديد في الولايات المتحدة و”أوبك” أن يغطيه.