إنتهت الجولتان الأولى والثانية من انتخابات اللجان النيابية، لتفرز العديد من النتائج، سواء لناحية طريقة الأداء داخل المجالس النيابية، أو شكل اللجان التي لم تشهد أي تغييرٍ يُذكر على مستوى عضويتها التي جاءت ترجمةً لميزان القوى داخل المجلس، حيث عكست تقدم “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” وحركة “أمل” وحلفائهم، وتمكّنهم من نيل الحصة الأكبر رغم تراجع هذه النسبة بالمقارنة مع اللجان التي انبثقت عن المجلس النيابي السابق.
وعلى صعيد متصل، تمكّن نواب “التغيير” من فرض واقعٍ جديد على مستوى العمل التشريعي، رغم خسارتهم لعضوية اللجان المهمة، ولاسيّما لجنة الإدارة والعدل، ولجنة المال والموازنة، باستثناء الخرق الذي تمكّن ابراهيم منيمنة وأسامة سعد من تحقيقه. إلاّ أن هذه الخسارة كانت متوقّعة نتيجة ميزان القوى داخل المجلس النيابي من ناحية، واتّخاذهم لقرار المواجهة وفرض إجراء العملية الديمقراطية على حساب المحاصصة بين القوى السياسية من جهةٍ أخرى،، مع الإشارة إلى أنه يحقّ لأي نائب حضور عمل اللجان التي تعتبر “المطبخ التشريعي” في حين لا يحقّ له المشاركة في التصويت الذي نادراً ما يحدث.
كذلك بينّت معركة اللجان، قصور النظام الداخلي لمجلس النواب، ليس فقط بما يتعلّق بوضوح آليات الإنتخاب واعتماد الإقتراع البدائي رفضاً للتصويت الإلكتروني الذي قد ينتزع من رئيس المجلس إمكانية التلاعب بالنتيجة، إنما كذلك قصور على مستوى شكل الإقتراع. فقد تمّ اعتماد آلية السماح لكلّ نائب بانتخاب جميع المرشحين لعضوية اللجان، وهذا ما يعني فعلياً أن أيّ كتلة في المجلس النيابي تملك أكثريةً، ولو بفارق صوتٍ واحد، يمكنها السيطرة على جميع مفاصل اللجان وعضويتها ورئاستها، وهذا ما يتنافى مع طبيعة العمل البرلماني الذي تتمثّل فيه معظم الأحزاب.
صورةٌ أخرى أظهرتها إنتخابات اللجان النيابية، وهي عودة منطق التسويات والمحاصصة بين الكتل الرئيسية، ولا سيّما “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، اللذين تمكّنا من المحافظة على مواقعهما السابقة، وبذلك تكون “القوات” قد كرّست ابتعادها عن النواب التغيريين، الذين لم يهضموا بعد “زحطتهم” بالإقتراع لصالح مرشح القوات – الاشتراكي غسان سكاف، لمنصب نائب رئيس المجلس النيابي.
إذاً، دفع نواب التغيير ثمن موقفهم وتصميمهم على خرق الأعراف والتسويات من خلال إخراجهم من معظم اللجان الأساسية، إلاّ أن هذا الموقف عزّز في المقابل من استقلاليتهم بعيداً عن محوري مجلس النواب، وبذلك يخطون خطوةً جديدة في طريقة التعاطي مع الملفات المقبلة. فوفقاً لمصادر مقرّبة منهم، ستكون المرحلة المقبلة متّسمة بمواقف أكثر صلابة تجاه الملفات التي سيتمّ طرحها ولاسيّما على الصعيد الإقتصادي، إلاّ أنهم سيرحّبون بأي كتلة تتلاقى مع موقفهم بصرف النظر عن إنتمائها.
المصدر : مهدي كريم – ليبانون ديبايت