كتبت سلوى بعلبكي في” النهار”:
في نيسان 2021، وقّع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب المرسوم 6433 المتعلق بتعديل ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وأرسله على عجل الى القصر الجمهوري بعد توقيعه أيضا من وزيري الأشغال العامة والدفاع، لتوقيعه من قِبل رئيس الجمهورية، لتكتمل عناصره الدستورية، ومن ثم رفعه الى الدوائر المعنية في الأمم المتحدة. كل هذا لتثبيت الحق والحدود، أو ربط النزاع مع العدو الإسرائيلي ومنعه من ممارسة أي نشاط نفطي تجاري في حقل ” كاريش” تحديدا موضوع النزاع، وخلق إرباك وواقع قانوني يمنع على شركات التنقيب الدولية توقيع إتفاقات تنقيب أو استخراج وبيع المواد المكتشفة، في المناطق المتنازع عليها.
ولسبب غير معروف آنذاك، تمنَّع رئيس الجمهورية عن التوقيع، ونال الدعم الكامل على موقفه، بالصمت حينا، أو بإعلان الوقوف خلف موقف الرئيس، من جميع قوى “الممانعة” وفي مقدمهم “حزب الله” المعني الأول كما هو معلوم بهذا الموضوع.
ومع عدم توقيع الرئيس، زاد الإلتباس لدى المتابعين، إلى أن توقفت المفاوضات كليا، وانكفأ الوسيط الأميركي، وسط مناشدات رسمية متقطعة تطالبه بالعودة الى لعب دوره، وآلت الأمور الى المراوحة والجمود، في ظل استغراب وتساؤل سياسي وشعبي حول الجدوى من خسارة الوقت وأوراق القوة التي يملكها لبنان.
ظهور الباخرة “أنرجيان باور” وتمركزها شمال الخط 29، أخرج ربما الحقائق الى العلن، مع ما رافق ذلك من تسريبات إعلامية إسرائيلية، من جهة عن توسيع عمل منظومة “القبة الحديد” لحماية “أنرجيان باور”، ومن جهة اخرى عن وجود اتفاق – صفقة بين جميع المعنيين بالملف الحدودي، يشمل واشنطن، تل أبيب، طهران وبيروت، مرورا بحارة حريك، وفق ما تقول مصادر متابعة.
إلا أن المؤكد من الصفقة، استناداً الى المصادر عينها، ما أعلنه رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، عندما دعا اللبنانيين الناقمين على الجسارة الإسرائيلية قائلا: “تعالوا نتفق على شركة نختارها نحن بمحض إرادتنا، ونطلب إليها أن تنقّب عن الغاز في مياهنا الإقليمية”… فهل كان يقصد حقل “قانا”؟
تصريح رعد تزامن وتقاطع مع بيان لـ”التيار الوطني الحر” يقول فيه إن “(النائب جبران) باسيل هو من طالب باعتماد معادلة لا غاز من كاريش من دون غاز من قانا، والخط 29 تفاوضي وليس رسميا”. وهنا تسأل المصادر: “هل توسع التيار بتفسير ما أوجزه رعد؟ واستطرادا متى ستعلن الولايات المتحدة الاميركية مكافآتها برفع العقوبات؟”. كل هذا ترافق، وفق ما تقول المصادر “مع حملة على وسائل التواصل الإجتماعي من الجيش الالكتروني للتيار الوطني الحر، وبعض حزب الله، تدعو الى استقدام باخرة تنقيب روسية للمباشرة بالتنقيب داخل المياه الإقليمية، في موقف شعبوي لذرّ الرماد في عيون اللبنانيين، ويرفع التحدي الإعلامي بوجه الإسرائيلي والأميركي، لكنه قطعاً لا يعيد الحقوق في “كاريش” بل يحيلها الى النسيان”.
ميدانيا، تتواصل الاستعدادات الإسرائيلية لاستكشاف الغاز جنوب حقل “كاريش” على قدم وساق، إذ يجري حاليا إنشاء منطقة تجمع عددا من السفن وصلت إلى 7 في حقل “كاريش”، المنطقة المتنازع عليها، لتسريع وتيرة العمل في السفينة الإسرائيلية Energean Power، التي أصبحت منصة بترولية عائمة لإنتاج وتصنيع وتخزين الغاز الطبيعي المسيّل (FPSO).
فهل تأخر لبنان في ايصال صوته الى الامم المتحدة لوقف عمليات الاستخراج في الحقل؟ الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية مارك ايوب يوضح لـ”النهار” أن تعديل احداثيات المرسوم 6433/2011 ليتلاءم مع الخط 29 وابلاغ الامم المتحدة بذلك، كما وابلاغ “انرجيان” انها تعمل في منطقة متنازع عليها، سيجعل موقف الشركة حرجاً تجاريا، إذ من البديهي ان تعرف الشركة مع اي دولة ستتعامل ومن هي الجهة التي سيتم تسليمها كميات الغاز المستخرجة. وفي حال لم تصل الى نتيجة تفضل حينها الانسحاب أو تعليق العمل تماما كما فعلت “توتال” التي علّقت العمل في لبنان بذريعة “الظروف التشغيلية” في البلاد التي لا تسمح لها بتطبيق بنود العقد الموقع مع الدولة بالطريقة الصحيحة والمطلوبة. ومنها ما يتعلق مثلا بأزمة الطاقة والبنى التحتية التي أصبحت مهترئة، اضافة الى تداعيات إنفجار المرفأ على القاعدة اللوجستية المخصصة لتنفيذ النشاطات البترولية في المياه البحرية اللبنانية. فما بالك إذا كان الحقل متنازعاً عليه؟”.
ما يحصل حاليا هو ان سفينة الانتاج تعمل في حقل “كاريش” الجنوبي، اي جنوب الخط 29 حيث توجد 3 آبار جرى حفرها سابقا ومجهزة لإنتاج الغاز KM01 وKM02 وKM03 ويُعمل على ربط الآبار الثلاث بعضها ببعض ومن ثم ربطها بسفينة الانتاج ووصلها بالانبوب الذي يصل هذه الآبار بالساحل الاسرائيلي. أي أن ثمة 3 آبار يتم العمل عليها اليوم، توازيا مع عمل سفينة التنقيب التابعة لهاليبرتون التي تقوم بحفر بئر أخرى في حقل “كاريش” الجنوبي وفي طريقها نحو “كاريش” الشمالي 01NK اي شمال الخط 29، على أن يتم ربط هذه الآبار جميعا وتحضيرها للانتاج.
أمّا عن مقولة حق الدولة التي تنقب أولا وتستخرج أولا أن تستثمر الكميات حتى لو كان الاستخراج من منطقة مشتركة، فيؤكد أيوب أن “لا شيء في “القانون الدولي” أو “قانون البحار” ينص على هذا الأمر، إذ انه في حال كانت المنطقة متنازعا عليها واذا كانت هناك حقول مشتركة، وفي حال جرى اكتشاف كميات من الغاز بين الدولتين، لا يتم الانتاج قبل التوقيع على اتفاق لتقاسم هذا الانتاج. وهو ما حصل بين اسرائيل وقبرص على سبيل المثال، اذ ثمة حقل متنازع عليه منذ 10 سنوات في البلوك 12 القبرصي، وأجبرت اسرائيل قبرص على وقف الانتاج فيه في انتظار التوصل الى اتفاق”.
وإذ سأل عن الضمانات وعن الاتفاق غير المعلن والذي يمكن أن يكون قد تم سياسيا، ربط ايوب الموضوع بما حدث بين “تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في شهر ايلول 2021 وبين شباط 2022 عندما أتى الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة آموس هوكشتاين واعلان الرئيس ميشال عون أن الخط 23 هو خطنا والخط 29 هو خط تفاوضي”، وسأل ايضا عن “الدور الذي لعبه النائب الياس بو صعب في هذا الموضوع من خلال زياراته الى هوكشتاين، خصوصا أنه كُلف التفاوض فيما وُضع الفريق المفاوض جانبا”، مرجحا وجود “تنازلات واتفاقات وقطب مخفية في السياسة”.
وبالحديث عن شركة “توتال” وعما اذا كانت تتعرض لضغوط لوقف التعامل مع لبنان، يؤكد أيوب أن “الضغوط كبيرة ولم تعد خافية على أحد، إذ عندما التقى وزير الطاقة وليد فياض في فرنسا المدير العام لشركة “توتال”، تم ابلاغه أن الشركة لن تستكمل الاعمال قبل معالجة مشكلة الحدود البحرية. كما انه ليس خافيا الضغوط الاميركية ليس فقط على “توتال” بل على كل الشركات النفطية لعدم الاشتراك في دورة التراخيص الثانية التي أعدها لبنان. وهو ما حصل فعلا إذ لم تقدِم اي شركة”.
أما بالنسبة الى التقرير الذي اصدرته “توتال” وسلمته الى هيئة قطاع البترول (لم يتم الاعلان عنه)، فيؤكد أيوب أن التقرير “بيّن وجود آثار هيدروكربونية، لكنها ليست كميات تجارية. وهو شيء متوقع من الخبراء في هذا المجال، اذ ان نسبة نجاح الحفر من العملية الأولى هي 25% فقط، وعادة ما تحتاج الشركات الى 3 او 4 آبار للوصول الى النتيجة المرجوة، ولذا كان يجب حفر آبار اخرى”.