“الحل في لبنان مرتبط بالتسوية في المنطقة” عبارة يتردد صداها يومياً في الصالونات السياسية، حتى ان البعض ذهب أبعد من ذلك، معتبرا ان لا تسوية للوضع في لبنان طالما ان نظام بشار الأسد باقٍ في سوريا، مشيرين الى ان الرئيس السوري لن يدع لبنان يرتاح قبل أن ينال من الخارج ما يريده للبقاء في السلطة، خاصة من خلال ورقة النازحين السوريين. وتسأل أوساط دبلوماسية غربية لماذا لا يدعو الاسد الى مؤتمر مصالحة مع شعبه؟ مشيرة الى ان مشلكة سوريا هي في تحالفها مع ايران، وان الاسد لا يمكنه ان يفك هذا التحالف لأن دونه عقبات،معتبرة ان ايران ألغت نفوذ الاسد في لبنان وأبقت على نفوذها وحدها لأنها صاحبة القرار فيه عبر حزب الله، كما رمت من خلال سقوط رموز الاسد في الانتخابات، إلى قطع طريق عودته الى لبنان مجددا للقضاء على النفوذ الايراني ونزع سلاح حزب الله بتكليف دولي كما فعل في السلاح الفلسطيني. فهل المنطقة مقبلة على تسوية؟
المحلل السياسي الدكتور خالد العزي يقول لـ”المركزية”: “قطار التسويات دائماً ما يحمل معه سلّة كاملة متكاملة، وبالتالي لا يمكن ان تحصل تسوية في لبنان ما لم يكن متفقا عليها من اليمن مرورا بالعراق وسوريا وصولا الى لبنان. هذه التسوية لم تنضج بعد، إذ ان كل الملفات مرتبطة بملف واحد يحركها ويضعها على أجندة التفاوض في فيينا. وطالما ان التفاوض في فيينا لا آفاق له حتى الآن برغم الايجابيات التي ظهرت مؤخرا وقامت على اساس فصل التفاوض على المعتقلين الموجودين في سوريا وايران عبر الوسيط المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، لكن هذه المبادرة لا تعني ان قطار التسوية بدأ في المنطقة، لسببين: الاول ان الاميركيين باتوا غير مستعجلين لإنهاء هذه التسوية، وثانياً لأن أقل من سبعة أشهر تفصل دخول الولايات المتحدة في عملية انتخابات الكونغرس ومجلس الشيوخ. وبالتالي اذا لم يحمل هذان الشهران انضاجا سريعا للملف النووي الايراني، فإن المفاوضات ترحل الى مرحلة لاحقة، خاصة وان الاهتمام الاوروبي والاميركي منصبّ راهناً على حسم الملف الاوكراني، والذي في حال حسم ايجابا او سلبا لصالح الاميركيين، فإنه سينعكس على الملف الايراني والصيني. لذلك، لن تنضج التسوية سريعا قبل ايجاد حل للملف الايراني”.
ويضيف العزي: كما ان موضوع التهدئة في المنطقة مرتبط بالمفاوضات السعودية الايرانية والتي تعتبر المدخل الحقيقي لنزع فتيل الازمة. لكن يبدو ان المفاوضات تجري من جهة والمسيرات تطلق من الباب الآخر، ما يدلّ على عدم وضوح من الجانب الايراني في عملية التسوية. في البداية كانت المفاوضات الايرانية السعودية متعلقة بقضاياهم الاساسية ومواقفهم، من اعادة فتح السفارات والنشاط الارهابي في المنطقة والتطبيع مع اسرائيل والاعتداءات التي يشنها الحرس الثوري على المنشآت السعودية. العلاقات تطورت بينهما، لكن لا يمكن القول بأنها انتقلت من الجانب الامني الى الدبلوماسي، لأن الجانب الدبلوماسي ستفتح امامه نقاط كبيرة وهذا ما كان الايرانيون يتحاشونه. وعندما كانت السعودية تطالب بفتح ملف اليمن، كانت ايران تتهرب متذرعة بأن مفتاح اليمن مع حزب الله في لبنان وبالتالي يجب أن تتحدثوا معه، محاولة تصويب الاشارة الى ان الآمر الناهي للقضايا الخارجية في سوريا واليمن والعراق ولبنان هو حزب الله وعليهم التفاوض معه للوصول الى نتيجة والمطلوب بمعنى آخر إرضاء حزب الله. بالطبع هذا الكلام غير عقلاني لأن ايران تتنكر لدورها وان كل المسيرات والسلاح الباليستي الموجود في امرة الحرس الثوري هو في عهدة السيد حسن نصرالله. هذا الكلام ضبابي وغير صحيح لأن هناك في التفاوض ملفات يجب ان توضع على الطاولة كي يتم نزع فتيلها وبالتالي العمل على تدويرها. بالنظر الى اليمن اصبحت القضية عالقة. الايرانيون لا يستطيعون التقدم وفي الوقت نفسه يحاولون شن حملة اعلامية ضد الممكلة العربية السعودية وبالتالي يستفيد الاميركيون من هذه الحملة لتوظيفها في مصلحتهم للضغط على السعودية”.
ويتابع العزي: أما في الملف العراقي المجمد، فإن ايران لم تستطع السيطرة على البرلمان وتمكنت من التعطيل بواسطة الحشود الشعبية التي لم تستطع التوصل الى اتفاق حول الحكومة او رئاسة جمهورية وبالتالي كان المطلوب اشراك هذه المجموعات في العملية السياسية وكأن ايران تقول بأن هذا الدور لن يتحقق اذا لم تكن موجودة في هذا الاتفاق. وبالنسبة الى سوريا، الوضع يختلف، حيث كانت الكلمة المفصلية لروسيا، لكنها بدأت بالانسحاب تدريجا وهذا يعني أن سوريا ستعاني من فراغ كامل وربما سيحاول الايراني تعبئة الفراغ وهذا يأخذنا الى صراع سوري يعيدنا الى المربع الاول الى الانقسامات والحركات المذهبية، إضافة الى عامل آخر خارجي هو العامل الاسرائيلي الذي يوجه يومياً ضربات في سوريا منعاً لأن تصبح ثكنة للمواجهة الصاروخية مع الدولة العبرية”، لافتا الى ان “ولاء الاسد واضح لايران وبالتالي محاولات العرب كلها لفك الحصار باءت بالفشل، لذلك لم يستطع بشار الاسد العودة الى الجامعة العربية، لم يزل الفيتو العربي عليه موجودا. وبالتالي لن تكون التسوية من خلال التعويل كثيرا على ما يريده الاسد، الذي سيكون في ورطة لاحقة بعد انسحاب الجيش الروسي لأن الفراغ، في حال لم يتم تسليمه الى العرب، سيقوم الايراني بملئه، وفي هذه الحالة سيكون هناك وضع في سوريا غير محتمل وستكون التدخلات بطريقة مختلفة، لأن الجميع اليوم، حتى الاوروبيين والاميركيين، ينظرون الى ايران بطريقة مختلفة”.
ويختم العزي: بالنسبة للبنان، هناك تراجع للنفوذ الايراني، بما ان الحزب لم يستطع السيطرة على الاكثرية وقد عاينا التصويت المنخفض بالامس للرئيس نبيه بري عكس الولايات الست السابقة، ما يعني أن المشكلة سترحل الى تشكيل الحكومة وستنعكس بالتالي على الانتخابات الرئاسية وقد نكون أمام فراغ.
إذاً التسوية في المنطقة برمتها مرتبطة بنتيجة التفاوض في فيينا. وهنا أذكّر بما قاله الرئيس الايراني حسن روحاني بأن “على هذه الحكومة وعلى هذا المفاوض ان يأخذ ما عُرِض عليه لأنه لن يستطيع لاحقا أخذ ما يريد. يجب استغلال الفرصة”، واول محطة شهدناها كانت التعطيل من قبل الجانب الروسي للاتفاق النووي لأنه اعتبر أنه يضر بمصالحه وبأن الايراني سيملأ فراغ الطاقة الذي تركه الروسي او المحاصر فيه بالعقوبات”.