بعدما وضعت الإنتخابات النيابية أوزارها وانتهت المعارك الحامية فيها الى مشهد جديد والى حسابات ربح وخسارة يقرأها كل طرف من منظاره وعلى طريقته، بدأ البحث عن مرحلة ما بعد الإنتخابات، وخصوصا في الفترة التي تسبق الإستحقاق الرئاسي، وهي فترة يعتقد البعض أنها ستكون غامضة، خصوصًا إذا لم تشكّل “حكومة الفرصة الأخيرة” في أسرع وقت.
وفي هذا الوقت الضائع وبعد الإنتهاء اليوم من إستحقاق إنتخاب الرئيس بري رئيسًا لمجلس النواب لأربع سنوات جديدة، يمكن قراءة المشهد السياسي على الوجه التالي:
– إنتقال الأكثرية من ضفة الى أخرى مهم في طبيعته من دون أن يعني إمساك فريق جديد بدفة إدارة الوضعين السياسي والإقتصادي، كما ينبغي أن يكون. وهذا الإنتقال يرشح البلد لواحد من إحتمالين، يصب كلاهما عمليًا عند إستمرار السياسة القائمة على حالها. فإما أن تعقب الإنتخابات تسوية سياسية على غرار التسويات السابقة كتسوية الدوحة 2008 أو تسوية انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية، ونكون في حينها أمام تذويب متعمد لكل النتائج الإستفتائية، وإما أن تعقب الإنتخابات مرحلة من الشلل السياسي والمؤسساتي على غرار المشهد الحاصل في العراق، بحيث يكون اللبنانيون أمام إنتصار سياسي وشعبي ودولة مخطوفة ومؤسسات معتقلة تمنع ترجمة الإنتصار داخل المؤسسات الدستورية.
– ما حصل في 15 أيار الجاري أقرب إلى “أعجوبة تشريعية” فاجأت الداخل والخارج وأربكتهما، والإرتباك هنا بسبب العجز في تفسير نتائج الإنتخابات سياسيًا في المديين القريب والمتوسط، ما سينعكس مباشرة على كل الإستحقاقات الدستورية المقبلة التي باتت مهددة بالتعطيل وتهدد لبنان بأزمتين، أزمة سلطة وأزمة نظام.
– عمليًا فرضت نتائج الإنتخابات البرلمانية إرتباكًا على الصعد كافة، وعززت المخاوف من حصول تصادم بين قوى المنظومة والمجموعة الإصلاحية الجديدة الفائزة، التي ترفض منطق التسويات لكنها تملك قدرة محدودة على تعطيلها، ما يعني أن لبنان قد يكون مقبلًا على فراغ في السلطات والمؤسسات الدستورية. وعليه فإن النتائج المربكة للإنتخابات التي أنتجت إرباكًا سياسيا، بقدر ما تشكل فرصة تأسيسية لحركة التغيير، لكنها قد تتسبب أيضا بأزمة سياسية كاملة الأوصاف تحتاج إلى عوامل غير تقليدية اعتاد اللبنانيون عليها كلما عجزوا عن حل مشاكلهم بالحوار.
فـ”حزب الله” يرفض إعتبار خسارته الأغلبية بأنها تراجع في دوره المرتبط نوعًا ما بالسلاح، وهذا مثال بسيط عن مخاطر قد يواجهها لبنان في الأيام القليلة المقبلة، خصوصا أن الحزب يحاول القفز فوق النتائج، ويخفي ارتباكه بالدعوة إلى النقاش بالقضايا المعيشية، لكن مع التلويح بأنه قادر على التعطيل والإشتباك إذا لزم الأمر، لكنه حيال الأزمة الإقتصادية مدعو إلى مراجعة حساباته قبل الدخول في أي مغامرة غير محسوبة النتائج.
– بلغة الأرقام من الصعب أن يحصل أي طرف لبناني على الأغلبية البرلمانية، وإن حصل فستكون مؤقتة، وبلغة الأحجام أيضًا يتضح أن أغلب الأطراف فقدت سطوتها السياسية على الحياة التشريعية، ومن يحاول الإنفراد أو التفّرد وتجاوز الأرقام والأحجام والتمترس خلف ما يملكه من فوائض غاب عن باله أن قوته معطلة، وهذا يفقده حتما جزءًا كبيرًا من تحكّمه بمسار الأمور كما كان يحصل في السابق، وبالأخص في الإستحقاقين اللذين سيواجههما اللبنانيون، وهما تشكيل حكومة جديدة وإنتخاب رئيس للجمهورية يخلف الرئيس ميشال عون.
الرئيس بري يُجدّد له اليوم لأربع سنوات جديدة، في سابع ولاية له. ويبقى السؤال: ماذا بعد، وكيف ستكون عليه المشهدية المجلسية بعد إنضمام وجوه نيابية جديدة؟
ch23