لم تكد الانتخابات النيابية تنتهي وتبرز نتائجها، حتى خطفَ الوضع المعيشي الاضواء، بعدما قاده الدولار المنفلت الى قعرٍ لم يسبق أن بلغه من قبل.
لكن في الحقيقة، ولأنّ غبار المعركة الانتخابية غطّى على ما سواه، لم يلاحظ البعض انّ الدولار بدأ رحلة الارتفاع منذ ما قبل الانتخابات، واستمر في منحى تصاعدي بعد انتهائها. فهل من رابط مباشر بين الانتخابات وسعر صرف الدولار؟
في الواقع، هناك مجموعة من العوامل تجمّعت، ويمكن من خلالها تفسير ما جرى قبل قرار مصرف لبنان التدخل بقوة، وما قد يجري بعد القرار.
أولاً – منذ ما قبل الانتخابات، باشَر الدولار مرحلة الارتفاع التدريجي، مدفوعاً بالتقنين غير المعلن الذي بدأه مصرف لبنان لتخفيف خسائره اليومية، خصوصاً بعدما اضطر الى تجاوز التقديرات السابقة التي وضعها عندما قرّر اعادة دعم الليرة في كانون الاول ٢٠٢١. هذه الزيادة في إنفاق الدولارات ناتجة عن الزيادة في الاعتمادات المطلوبة من قبل المستوردين. وبالتالي، لجأ مصرف لبنان الى خفض كوتا الدولارات اليومية للمصارف. ونشأت هوة Gap بين العرض والطلب بما أدى الى بدء ارتفاع الدولار في السوق السوداء. وبدأ الفارق في السعر بين منصة صيرفة والسوق السوداء يتّسع.
ثانياً – سادت اجواء مفادها انّ دعم الليرة سيتوقف بعد الانتخابات مباشرة، وان الدولار سيحلّق فوراً، الامر الذي دفع الجميع الى شراء الدولار قبَيل الانتحابات وبعدها.
ثالثاً – أوحى المناخ السياسي الذي أعقبَ الانتخابات انّ الأفق مسدود على عكس التوقعات المتفائلة. وقد عزّز مناخ التشاؤم هذا ردود الفعل الخارجية التي جاءت فاترة، فيما لم تكن الاجواء في صندوق النقد الدولي متفائلة بدورها. ولا يبدو انّ الصندوق يخطّط لإرسال وفد الى لبنان عمّا قريب للاطلاع على المناخ السائد بعد الانتخابات، اذ يبدو انّ المسؤولين في الصندوق يعتبرون انهم أنجزوا مهمتهم، وانهم سينتظرون ما سيفعله المسؤولون اللبنانيون قبل الاقدام على اي مبادرة جديدة.
رابعاً – رغم انّ مصرف لبنان أعلن تمديد العمل بالتعميم ١٦١ حتى نهاية تموز في محاولة لتهدئة السوق، الا أنّ ذلك لم ينفع في لجم اندفاعة الدولار، لأنّ المركزي لم يرفق قرار التمديد بضَخ دولارات اضافية، الأمر الذي أبقى على الخلل في التوازن بين العرض والطلب.
خامساً – مع انخفاض حجم الاحتياطي في المركزي من العملة الصعبة، ازدادت المخاوف من اقتناء الليرة، الامر الذي زاد في الطلب على الدولار.
المصدر نداء الوطن