كان الاعتقاد السائد أنّ رئيس “السنّ” في مجلس النواب نبيه بري لن يدعو البرلمان إلى الانعقاد، وبالتالي انتخاب رئيسه ونائبه، إلا بعد التوافق على “سلة شاملة” تضمن له “اقتناص” أصوات بعض الكتل، بما يتيح له الخروج بفوز
“معنوي مُعتبَر”، وبالحدّ الأدنى “غير هزيل”، وفق “السيناريو” الذي يحاول بعض خصومه “فرضه” على أرض الواقع.
لكنّ الرئيس بري “فعلها”، ودعا البرلمان إلى الانعقاد الثلاثاء، ملتزمًا بمهلة الـ15 يومًا التي نصّ عليها القانون، ولو أنّ المقرّبين منها يعتبرونها مهلة “حثّ” لا “إسقاط” بالمعنى القانوني، ليضع بذلك الكتل النيابية أمام مسؤوليّاتها،
وهي التي لم تحسم حتى الآن موقفها النهائي من الاستحقاق، بعيدًا عن تصريحها جهارًا بأنّها ترفض “المقايضة والابتزاز”.
لعلّ بري أراد بذلك أن “يحشر” النواب خصوصًا على مستوى انتخاب نائب رئيس البرلمان، حيث يبدو المرشحون غير المُعلَنين بعد أكثر من أن يعدّوا ويحصوا، من دون أن يظهر أيّ “توافق” حتى الآن على أيّ منهم، وهو ما يدفعه
إلى “اقتناص” الفرصة، إما لجرّ أحد هؤلاء إلى “التفاهم” سريعًا، وإما إلى “معركة” لا تجعل منه “خاسرًا أكبر” بلغة الأرقام.
صحيح أنّ المحسوبين على الرئيس نبيّه بري والمقرّبين منه كانوا يرجّحون أن “يتريّث” في الدعوة إلى جلسة مجلس النواب الأولى، بانتظار “نضوج” ظروف “المعركة” المُنتظَرة، خصوصًا بالنسبة إلى نائبه، حيث لا يزال
“الغموض” سيّد الموقف، إلا أنّهم يعتبرون أنّ الخطوة التي أقدم عليها “الأستاذ” هي “ضربة معلم” بجدارة، لجهة “حشره” الكتل والنواب.
لا يقول هؤلاء صراحةً إنّ بري سلّم بـ”الأمر الواقع”، الذي قد يكون فوزًا “هزيلاً” لن يصل وفق بعض التقديرات والاستطلاعات إلى حدود “الأكثرية المطلقة”، رغم الجهود التي تُبذَل مع بعض النواب من مختلف الأطراف لرفع
“الحاصل” بما يجنّب “الأستاذ” الذهاب إلى دورة ثالثة، لكنّهم يعتبرون أنّ ما يهمّ هو النتيجة، وفي النتيجة فإن عودة بري “محسومة ومضمونة” سلفًا، بمعزل عن “السيناريوهات” التي قد تحيط بالجلسة، من دون أن تقدّم أو تؤخّر شيئًا.
الأهمّ من كلّ ما سبق، بالنسبة إلى المحسوبين على بري، أنّه بدعوته البرلمان إلى الانعقاد الثلاثاء، “يحشر” النواب، ويضع الكتل أمام مسؤولياتهم، إذ إنّ بعضهم كان يتعاطى مع الاستحقاق وكأنّه “مؤجَّل”، وغير “مستعجل”، بدليل أنّ
المرشحين لموقع نائب الرئيس لم يعلنوا عن نفسهم بعد، كما أنّه في الوقت نفسه، يريح نفسه من معضلة “المقايضة” التي تحوّلت إلى شعار لدى البعض لـ”ابتزازه”، رغم أنّ هذا البعض هو الذي يحتاجه، وليس العكس.
من هنا، فإنّ الأنظار ستتّجه من الآن فصاعدًا إلى “المعركة الحقيقية” التي تنطوي على جلسة الثلاثاء الانتخابية، وهي “المعركة” على منصب نائب رئيس المجلس، “معركة” يعتقد المقرّبون من بري أنّ الأخير قد يكون “مستفيدًا”
منها، إذا ما شعرت الكتل التي ترغب بتسجيل “الانتصار” على بعضها البعض، بالحاجة إلى أن “تفاوض” النواب الشيعة، بعيدًا عن الشعارات “الشعبوية” التي كانت ترفعها ما قبل تحديد موعد الجلسة.
ويعتقد المقربون من بري أنّ “الأستاذ” الذي لا مشكلة لديه مع أيّ من الأسماء المطروحة لنيابته، من مختلف الكتل والاتجاهات، سيكون مستفيدًا في كلّ الأحوال، طالما أنّ “التوافق” على المركز بين خصومه من “سابع المستحيلات”،
فإذا لجأ إليه أحدهم يرفع من “حاصله”، وإذا لم يفعلوا فسيخفّف ذلك من “إحراج” عدم حصوله على أكثرية “ساحقة” من الأصوات، طالما أنّ نائب الرئيس الذي سيُنتخَب لن يكون “أفضل حالاً”، بنتيجة “الانقسام العمودي” للمجلس.
من هنا، يعتقد العارفون أنّ الأيام الفاصلة عن يوم الثلاثاء قد تكون “حاسمة وفاصلة”، خصوصًا أنّ الوقت بات ضيّقًا، ولم يعد هناك من متّسع للشعارات، وسيكون على الكتل المتباينة أن “تعلن” موقفها النهائي من الاستحقاق الانتخابي
المُنتظَر، كما سيكون مُنتظَرًا من تكتل نواب “التغيير” المُنتظَر أن يظهر أمام الملأ، ليعلن صراحة توجّهه، خصوصًا أنّ “الغموض” لا يزال يسيطر عليه، في ظلّ حديث عن مرشح في صفوفه، ولو أنّه لم يطرح نفسه حتى الآن.
قد يكون كلّ ما سبق جزءًا من “اللعبة الديمقراطيّة”، وقد يكون أمرًا “جميلاً” أن يحظى اللبنانيون للمرة الأولى ربما منذ الطائف، بـ”انتخابات” حقيقية داخل المؤسسة البرلمانية، بعدما اعتادوا على انتخابات “معلّبة” سلفًا، إلا أنّه في
الوقت نفسه يقرع “جرس إنذار” عمّا ينتظرهم مع برلمان منقسم على نفسه، قد يكون أقرب إلى “الشلل” من أيّ شيء آخر، عندما “تدقّ ساعة الجدّ”!