أدخلت نتائج الانتخابات النيابيّة البلاد في ضبابيّة، فلا فريق لديه الاكثريّة. ليس فقط إستحقاق إنتخاب رئيس مجلس النواب والاصوات التي سينالها الرئيس نبيه برّي هو الوحيد الذي عليه علامات إستفهام لاوّل مرّة منذ حوالي الـ30 عاماَ، وإنّما هناك صعوبة في تشكيل الحكومة الجديدة. وقد بدأت آفاق هذه المشكلة تتبيّن، وخصوصاً بعد الانقسام الكبير حول شكلها، ومن سيتمثل فيها، وإسم رئيسها وبرنامجها. وبعدما فشل “حزب الله” و”التيّار الوطنيّ الحرّ” في الفوز بالاكثريّة، ومفاجأة المجتمع المدنيّ الاوساط السياسيّة بنيله كتلة توازي كتلة “التنميّة والتحرير”، وتفوّق “القوّات اللبنانيّة” على “التيّار” إنتخابيّاً، تتقدّم ثلاثة طروحات حول الحكومة المقبلة: الاوّل، حكومة جامعة وممثلة لكافة الكتل التي أنتجتها الانتخابات، والثاني، حكومة أكثريّة، مع معارضة تراقب سير عملها، والثالث حكومة تكنوقراط أو تكنوسياسيّة تُكمل مسار التعافي الاقتصادي.
في السيّاق، يتقدّم طرحان حكوميّان بشكل جادّ، الاوّل يهدف إلى سحب فتيل التوتّر السياسيّ والطائفيّ، ويقوم على مبدأ الشراكة بين كافة القوى. ويرى مراقبون أنّ هذا التوجّه يصعب تحقيقه، أقلّه بمشاركة جميع الافرقاء. وحتّى الان، برز رفضٌ تامٌّ لنواب “الثورة”، ونواب “الجمهوريّة القوية”، وكتلة “الكتائب” والمستقلين، بالسير بحكومة وحدة وطنيّة. ويُضيف المراقبون أنّ كل كتلة، ستطالب بحصتها. ومع وجود على سبيل المثال كتلتين مسيحيتين كبيرتين من جهة، والحرب البيانيّة بينهما على من يملك الكتلة الاكبر مسيحيا، وبطبيعة الحال وَضِع النائب جبران باسيل “الثلث المعطلّ” شرطاً أساسيّاً .من جهة ثانيّة، يُشير المراقبون إلى أنّ مصير هكذا حكومة سيكون كسابقاتها، أيّ عدّة أشهر لتشكيلها، مع تعطيلٍ وعدم إنتاجيّة.
كذلك، طرحت “القوى المعارضة” لـ”الثنائيّ الشيعيّ” ولـ”التيّار”، حكومة الاكثريّة، معتبرة نفسها أنّها أسقطت “حزب الله” وحلفاءه في الانتخابات. ويعتبر مراقبون أنّ الهدف الاساسيّ من هذا الخيار، هو إقصاء “الحزب”. وكما خسر الاكثريّة النيابيّة، يتمّ العمل على تشيكل حكومة تُمثّل القوى المعارضة، على إعتبار أنّها تُشكّل الاغلبيّة في مجلس النواب. وهنا، يرى المراقبون أنّ قيام هذا النوع من الحكومة مستبعد، ومستحيل، وإنّ من جهّة “القوّات” ومن يُطلقون على أنفسهم “القوى السياديّة”. ويُعلّل المراقبون الاسباب، لعدم إلتقاء هذه الافرقاء والخلاف في ما بينها. فإذا بقيت “القوّات” و”الكتائب” مثلا على خلاف سياسيٍّ على الرغم من التاريخ الذي يجمع الحزبين، فكيف ستلتقي كافة القوى المتبقيّة، وخصوصاً السنّة “المستقبليون” مع نواب “الجمهوريّة القوية”، أم نواب “الثورة” مع الاحزاب المسيحيّة المعارضة؟
أما السبب الثاني، فهو صعوبة إقصاء “حزب الله” من الحكومة. وعلى الرغم من تحقيقه فوزاً كاسحاً في الشارع الشيعيّ، مع “حركة أمل”، وخسارته الاكثريّة النيابيّة، يبقى هدف “الحزب” الابرز أنّ يتمثل ليس فقط في مجلس النواب، وإنّما في الحكومة. فـ”المقاومة السياسيّة” كما سمّاها السيّد حسن نصرالله في خطاباته قبل 15 أيّار، تتعزّز من خلال وزراء “الثنائيّ الشيعيّ”، بالاضافة إلى وزراء “الوطنيّ الحرّ” وحلفائهما. وهذه المشاركة تعطي الشرعيّة لسلاح “الحزب”، وصولا إلى حمايته سياسيّاً. فكثّرت المطالبات مُؤخّراً بمناقشة الاستراتيجيّة الدفاعيّة، وسحب السلاح الخارج عن سيطرة الدولة. وقد دعا نصرالله خصومه لتأجيل موضوع السلاح لسنتين، وشدّد على أنّ المرحلة تقضي بالاهتمام بالمواضيع الاقتصاديّة والنقديّة والمعيشيّة. كذلك، ربط تحقيق الاستقرار الاقتصاديّ بموضوع السلاح. فمن دونه، سيقضم العدو الاسرائيليّ ما تبقّى من ثروات نفطيّة لبنانيّة. ووحده سلاح المقاومة هو القادر على حماية حقوق لبنان الطبيعيّة، وإخافة العدو.
في الاطار عينه، سارع نصرالله بعد الانتخابات، ودعا لتشكيل حكومة شراكة، تضمن له غطاءً للسلاح في البيان الوزاري. ورفض باسيل أنّ يتمّ طرح حكومة التكنوقراط، أو حكومة الاكثريّة والمعارضة. فأصبح عدد النواب الذين يدعمون فكرة حكومة الوحدة الوطنيّة أكبر. وبالتالي، فإنّ إسم مرشّح “حزب الله” و”التيّار” لرئاسة الحكومة يتقدّم على غيره.
ويُريد باسيل بحسب مراقبين أنّ يفرض شكل الحكومة، لتثبيت نفسه أنّه الفائز في الانتخابات، ولديه الكتلة الاكبر. وبهذه الطريقة، وبعد توسيع عدد نواب كتلة “لبنان القوي”، يُطالب بالثلث المعطّل، ويزيد من حظوظه بخلافة الرئيس عون في بعبدا.
في المقابل، هناك إشكاليّة إذا قرّرت “القوّات” و”التقدميّ الاشتراكي” والنواب السنّة المستقلّون المشاركة في حكومة الوحدة الوطنيّة. فقد حقّقوا إنتصاراً إنتخابيّاً هامّاً بوجه “حزب الله”. وعدم تمثيلهم أو إعطائهم أقلّه الثلث في حكومة الشراكة، سيُدخل البلاد حكماً في فراغ حكوميّ. ويسأل مراقبون: “إذا تمسّكت “القوّات” وحلفاؤها بحكومة اللون الواحد، أو بمطالبها على أنّها الاكثريّة في مجلس النواب، هل يذهب باسيل ومعه “الثنائيّ الشيعيّ” نحو فرض إسم رئيس الحكومة وشكلها، وبهذه الطريقة تُقصى المعارضة؟” هذا السيناريو وارد جدّاً، نظراً لانّ التعطيل مُتوقّع، في ظلّ غياب الاكثريّة النيابيّة، واقتراب إنتهاء ولاية رئيس الجمهوريّة ميشال عون، وعلو الاصوات الرافضة لتسليم حكومة تصريف الاعمال قيادة البلاد.
ويختم مراقبون أنّ ما يحتاج إليه لبنان حاليّاً، هو حكومة تنكبّ على إنجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والسير بخطّة التعافي الاقتصاديّ، وبدء ورشة الاصلاحات في قطاع الكهرباء، والعمل على إعادة الاموال للمودعين. من هنا، فإنّ حكومة مماثلة لتلك التي ترأسها الرئيس نجيب ميقاتي، ضرورة لانجاح هذه المشاريع المصيريّة، لإبعاد الخلافات السياسيّة عن مجلس الوزراء.
lebanon24