كتب موريس متى في” النهار”:
مع دخول حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مرحلة تصريف الاعمال تتجه الانظار الى مصير مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي للوصول الى اتفاق نهائي بينه وبين لبنان حول برنامج تمويلي بعدما توصلت السلطات اللبنانية وفريق الصندوق مطلع نيسان الفائت الى اتفاق على مستوى الموظفين بشأن السياسات الاقتصادية الشاملة التي يمكن دعمها.
“الانكماش الاقتصادي الدراماتيكي والزيادة الكبيرة في معدلات الفقر والبطالة والهجرة التي يعاني منها الشعب اللبناني، هي نتيجة تراكمات سنوات من السياسات الاقتصادية غير المستدامة”، بحسب المتحدث باسم صندوق النقد جيري رايس الذي عاد وأكد ان البرنامج المموّل من الصندوق سيخضع لإجراءات التزمت السلطات اللبنانية مسبقًا تنفيذها، على ان يجتمع بعد ذلك المجلس التنفيذي للصندوق لمناقشة تفاصيل البرنامج. ويشدد صندوق النقد أيضا على ضرورة ان تعتمد السلطات اللبنانية سياسات وإصلاحات حاسمة مع تكرار التزامه مساعدة لبنان واللبنانيين على تجاوز الأزمة. ويلفت رايس الى أهمية دور شركاء لبنان الدوليين الماليين في دعم جهود السلطة وضمان تمويل البرنامج وتحقيق أهدافه. في المقابل، ومع دخول البلاد مرحلة سياسية جديدة يعوّل المجتمع الدولي على سرعة تشكيل حكومة جديدة تأخذ على عاتقها الاستمرار بالتفاوض مع الصندوق للتوصل الى اتفاق نهائي من خلال التطبيق الفوري للإصلاحات الممهِّدة للتوقيع النهائي على الاتفاق التمويلي. وفي هذا السياق، أكد رايس أنّ “من المهم أن تعمل الحكومة الجديدة على تأمين دعم سياسي واسع النطاق للشروع بالإصلاحات الشاملة اللازمة لاستعادة استقرار الاقتصاد الكلّي واستدامته وملاءة القطاع المالي بهدف تحقيق نمو أكثر شمولاً على المدى المتوسط”.
في ربع الساعة الاخير، أقرت حكومة الرئيس ميقاتي خطة “التعافي المالي” التي رفضتها جمعية المصارف في وقت سابق وقبل تحوّل الحكومة إلى تصريف الأعمال. وتتضمن الخطة الإصلاحات الواردة في الاتفاق الاوّلي على مستوى الخبراء، والذي تم التوصل اليه بين السلطات اللبنانية والصندوق للاستفادة من تسهيلات لمدة 46 شهراً بقيمة 3 مليارات دولار. وتؤكد مصادر مواكبة لمسار التفاوض بين لبنان والصندوق ان هذه الخطة تلبي متطلبات الاخير، خصوصا بعد إدخال تعديلات جوهرية عليها تتعلق بكيفية التعاطي مع اموال المودعين، حيث جرى حذف ما يتعلق بسقف الودائع التي سيصار الى ردها للمودعين بعد الحديث عن سقف عند 100 ألف دولار ما كان ليكلّف نحو 14 مليار دولار، ليبقى البند بشكله العام من دون تحديد سقف، على ان يتم تحديده والتزام تسديد الودائع الى المودعين ضمن الاتفاق النهائي مع الصندوق. واللافت ايضا التعديل الذي أُدخِل على الخطة قبل إقرارها، وهو إلغاء عبارة “شطب” التزامات الدولة تجاه المصارف التجارية بالعملات الأجنبية، وهي الاموال المودعة لدى مصرف لبنان والتي هي اموال المودعين، حيث لحظت خطة الحكومة قبل التعديل ضرورة شطب هذه المستحقات لتغطية خسائر رأس مال المصرف المركزي بقيمة 60 مليار دولار. أما بعد التعديل فتم استبدال كلمة “شطب” بكلمة “إلغاء” التزامات مصرف لبنان من دون تحديد حجم هذه الاموال بهدف التقليل من الأعباء الدفترية على المصرف المركزي، ما يعني شطب أكثر من 85% من الودائع. في كل الاحوال، ما أدخِل على الخطة ما هو إلا لعب على الكلام لا أكثر ولا أقل. كما أبقت الخطة على ضرورة التوصل الى حل لـ”المصارف غير القابلة للاستمرار” بحلول تشرين الثاني 2022 بعد التقييم المطلوب لـ14 مصرفا. فقد تضمنت الخطة “تحديد حجم حاجات إعادة رسملة المصارف، كل على حدة، وتحليلا لبنية الودائع وهيكليتها، وهذه المهمة ستتولاها لجنة الرقابة على المصارف بمساعدة شركات دولية متخصصة.
تعتبر المصادر ان حكومة الرئيس ميقاتي أنجزت ما كان يتوجب عليها من خطوات لتعبيد الطريق امام التوقيع على اتفاق نهائي مع صندوق النقد، إذ ارسلت خطة التعافي الى مجلس النواب بعد إقرارها في مجلس الوزراء رغم رفض او تحفّظ عدد من الوزراء، كما أحالت قانوني “الكابيتال كونترول” وتعديل قانون السرية المصرفية، اضافة الى مشروع موازنة العام 2022، وهي خطوات يعتبر صندوق النقد ان إقرارها اساسي للتوصل الى اتفاق نهائي حول برنامج تمويلي، فيما يبقى بالنسبة الى الصندوق ضرورة إقرار قانون نهائي لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وهو ما يحتاج الى وقت ليس بالقصير لكي يُنجز والاهم لتطبيقه بعد إقراره من قِبل الحكومة الجديدة التي يجب تشكيلها في اقرب وقت.
حاليا، يراقب خبراء الصندوق مسار الامور في مجلس النواب، وما إذا كان سيقر بالفعل التشريعات المطلوبة منه وضمنها خطة التعافي، علما ان هذه الخطوة مستبعدة اقله في المدى المنظور نتيجة رفض العديد من المكونات السياسية والنواب لهذه الخطة ولمضمون القوانين التي تنتظر الاقرار. وقد علمت “النهار” ان حكومة الرئيس ميقاتي ستستمر بالتفاوض مع خبراء الصندوق عبر الوفد المفاوض برئاسة نائب رئيس حكومة تصريف الاعمال سعاده الشامي، مع حصر هذا التفاوض ضمن ما يُعرف بـ”حصول لبنان على دعم تقني من صندوق النقد”، اي ان النقاش سينحصر فقط بالامور التقنية المتعلقة بخطة التعافي التي اقرتها الحكومة والقوانين التي أُحيلت على مجلس النواب من دون الدخول في تفاوض يتعلق بمسار الاتفاق النهائي مع الصندوق كون هذا النوع من التفاوض يتطلب حكومة بكامل صلاحياتها.