أمس، أقام تصريح أحد أطباء الأسرة والأمراض المزمنة، ويدعى محمد فهمي خروب، عبر إحدى القنوات التلفزيونية عن وجود حالتين مصابتين بـ»جدري القرود» في لبنان الدنيا ولم يقعدها. في لحظة واحدة، أعاد الطبيب المذكور من الذاكرة شعور الخوف والإرباك الذي رافق دخول أول حالة مصابة بفيروس «كوفيد 19» قبل عامين. خوف من يواجه مرضاً مجهولاً لم تتحضر له البلاد بعد.
قال الطبيب كلمته… ثم مشى، بحيث لم يترافق تصريحه مع آخر رسمي يفترض أن يصدر عن وزارة الصحة العامة (وهي المعنية الوحيدة بالإعلان). فحتى اللحظة الراهنة «لا شيء»، إذ تنفي رئيسة مصلحة الطب الوقائي في الوزارة، الدكتورة عاتكة بري، «وجود أي حالة بجدري القرود، لا مؤكّدة ولا مشتبهة». أضف إلى ذلك أن تشخيص أي حالة مشتبه فيها، يحتاج إلى إجراء فحوص قد تستغرق أياماً قبل أن تصدر نتائجها. واليوم، في ظل عدم إمكانية تشخيص العدوى لعدم وجود مستلزمات الفحوص في لبنان، قد يستغرق الحصول على نتيجة الفحوص «من 4 إلى 5 أيام كحدّ أقصى»، على ما تقول برّي، حيث تعمل الوزارة على إرسال الفحوص إلى مختبرات «باستور» في فرنسا. وبحسب بري، تضطر الوزارة لسلوك هذا الإجراء بانتظار وصول شحنة المستلزمات التي تستخدم للتشخيص، والمتوقع خلال أسبوعين، وفق تأكيدات برّي.
تجهيز مركز العزل
إذاً، لا حالات مثبتة حتى الآن ولا مشتبهة، إلا أن ذلك لا يلغي عزل من قد تظهر عليهم عوارض. ومن هنا، تشير برّي إلى أن الوزارة أعادت تجهيز مركز العزل في مستشفى بيروت الحكومي الجامعي استعداداً للمرحلة المقبلة. وهي المرحلة التي يقول الطبيب خروب في حديثه إلى «الأخبار» إنه خرج لأجلها عبر شاشة التلفزيون. يعيد هذا الأخير تصحيح ما كان قد أدلى به على الشاشة، مشيراً إلى أنه لم يؤكد «وإنما كانت لدي مؤشرات ومعطيات عالية جداً تقود إلى القول بأن الحالة مشتبه فيها بقوة، ولكي أستطيع تأكيد ذلك أو نفيه عليّ أن أجري الفحوص اللازمة». مع ذلك، يؤكد أن الهدف من الظهور كان «إطلاق الإنذار حتى لا يعيد التاريخ نفسه، كما حدث مع فيروس كورونا»، خصوصاً أنه «يفترض أن نكون متيقظين وحاضرين كبقية دول العالم التي سارعت إلى إنجاز بروتوكولات التعامل مع الحالات المصابة ومع المجتمع»، متأسفاً «ألا يكون الحال كذلك في لبنان».
صعوبة انتقال العدوى
بغضّ النظر عن التقصير أو عدمه، إلا أن ثمة ما يجب الالتفات إليه وهو الإجابة على سؤال عن خطورة المرض. تطمئن برّي المواطنين لناحية أن هذا المرض يختلف عن فيروس كورونا، لناحية سرعة الانتقال ومعدّل الوفيات. وفي هذا السياق، تشير برّي إلى أن نسبة الوفاة بهذا المرض أقل من 1%، أضف إلى أنه لا تنتقل العدوى سريعاً، إذ يفترض أن يكون الاحتكاك مباشراً وقوياً بين المريض وبين المخالط، وينتقل «إما عبر الدم أو سوائل الجسم أو الجهاز التنفسي، وقد لا يحدث هذا الأمر من الاختلاط الأول، أي أنه احتكاك متكرّر ومباشر». ولا تظهر العوارض سريعاً على ملتقط العدوى من المريض، إذ إن هناك فترة حضانة تقدر ما بين أسبوع إلى ثلاثة أسابيع تقريباً «لا يكون خلالها ملتقط العدوى معدياً، إلا عندما تبدأ العوارض بالظهور»، تؤكد برّي.
اللقاح غير متوافر
أما بالنسبة لعوارضه، فهي أربعة أساسية: الحمى وتضخم الغدد اللمفاوية والصداع والطفح الجلدي، في حين أنه لا يوجد علاج محدّد، وفي بعض الأحيان قد تمرّ تلك العوارض بلا صخب. مع ذلك، يتشابه جدري القرود مع فيروس كورونا لناحية الأفراد الأكثر عرضة، وهم في الغالب المصابون بأمراض مزمنة، ويضاف إليهم اليوم من لم يتلقوا سابقاً اللقاح المضاد له. وبحسب نقيب الأطباء في بيروت، شرف أبو شرف، تحصر هذه الفئة بـ»جيل الثمانينيات وما فوق، إذ إن هؤلاء لم يتلقوا اللقاح المضادّ له كما أجيال السبعينيات وما دون، وذلك لأن المرض استؤصل بحدود العام 1977، وكانت آخر جرعة من اللقاحات أواخر السبعينيات».
اليوم، لم يعد لقاح جدري القرود متوافراً إلا في مختبرات الأسلحة البيولوجية، على ما تضيف برّي، ومن الممكن إعادة إنتاجه لمواجهة أي خطر قد يطرأ على العدوى الأساسية. من جهة أخرى، تنفي برّي أن تكون لقاحات «جدري المياه»، العدوى الموجودة اليوم، مفيدة لمواجهة عدوى «جدري القرود»، إذ إنها لا تغطي هذا النوع مع الجدري.