لم يعد إرتفاع سعر صرف الدولار الذي تخطّى مساء أمس عتبة الـ29 ألف ليرة في السوق السوداء أمراً مستغرباً يحتاج الى تبرير وتحليل وطول شرح حول نظرية تفاقم شحّ الدولار والليرة اللبنانية. فلا يختلف اثنان على ترجيح استمرار مسار الدولار التصاعدي، رغم دعمه من مصرف لبنان واستمرار العمل بالتعميم رقم 161 الذي يجيز السحب بالدولار وفق سعر منصّة “صيرفة” التي بلغت بدورها أمس 23200 ليرة لبنانية لتلحق بـ”سباق” دولار السوق السوداء المتجه صعوداً وتقليص الفارق بينهما.
من هنا، فإن مرحلة ما بعد الإنتخابات تتطلب نظرة استراتيجية جديدة قد تؤدي، اذا تمّ السير بها على الخطى الإصلاحية الصحيحة والتوافق مع صندوق النقد الدولي، إلى لجم سعر الصرف ووضع حدّ لسرقة إدخارات المودعين. وفي هذا السياق سأل رئيس لجنة الرقابة السابق على المصارف سمير حمود عبر “نداء الوطن”: “هل نحن في مرحلة معالجة الأمور النقدية والمالية؟ أم أنّ الأمور ستبقى متروكة كلياً لعناصر السوق وخاصة لمصرف لبنان، لما لديه من أدوات نقدية بحتة، من دون معالجات سياسية ولا مالية ولا اقتصادية حقيقية، الى أن تكتمل المؤسسات الدستورية من مجلس نواب الى حكومة ثم رئاسة الحكومة؟”.
وفي ظلّ مراوحة المشهدية نفسها الموجودة اليوم، حول تدخل مصرف لبنان لدعم الليرة، رأى حمود أنّ “الدولار سيبقى ينخفض عند تدخّل “المركزي” بشكل أكبر من خلال ضخّ كمية أكبر من الأموال، ويرتفع عند وجود طلب عليه بنسبة أكبر… هذا عدا عن التباين الموجود بين سعر منصّة “صيرفة” وسعر صرف السوق السوداء”، وسأل: “أي دولة في العالم تعتمد هذا التباين بين منصة للصرف كـ”صيرفة” وسعر صرف السوق السوداء؟”.
وأكّد حمود أنّ “هناك عدم استقرار في لغة الممارسة النقدية، ويبدو ذلك في الفارق بين النقد بالليرة اللبنانية وبين الشيك بالليرة الذي وصل إلى مستوى 38% قبل أن ينخفض الى 31%، بينما النقد مقابل الشيك بالدولار هو بنسبة 14 و 15%”، لافتاً إلى أنّ المشهد الراهن يؤكد أنّ البلد يمر بحالة “اضطراب وفوضى وعصفورية كاملة في التعاطي بالموضوع النقدي وبمال الناس”، واصفاً منصة “صيرفة” والسحب على أساس التعميمين 151 و 158 أي وفق سعر 8000 و 12000 ليرة لبنانية للدولار بأنها “سرقة موصوفة لأموال الناس ومدخراتهم، وكل ذلك يجب أن يتوقف وأن يتمّ التركيز على إيجاد قطاع مصرفي جديد والحفاظ على ودائع الناس التي تظل جوهرية أكثر من التقلبات في أسعار الصرف الحالية”.
وبالتالي لم يعد مهمّاً تحرّك سعر صرف الدولار بقدر ما يهمّ وضع حدّ فوري لسرقة أموال الناس، لأنّ “الحفاظ على مدّخرات الناس أهمّ من كل أسعار الصرف”.