“درج”: رياض قبيسي وتوم ستوك ورنا الصباغ (OCCRP)
في أواخر عام 2019، دفعت أزمة مالية البنوك اللبنانية إلى منع معظم المودعين من سحب أو تحويل الدولار الأميركي. لكن نجل حاكم البنك المركزي تمكن من نقل أكثر من 6.5 مليون دولار إلى الخارج، كما تظهر وثائق مسربة.
أظهرت وثائق مسربة أن نجل محافظ مصرف لبنان المركزي تمكن من تحويل أكثر من 6.5 مليون دولار إلى خارج البلاد، بينما منعت القيود المصرفية المواطنين العاديين من الوصول إلى مدخراتهم ومزقت أزمة مالية قيمة ودائعهم.
منع معظم عملاء البنوك في لبنان من سحب أو تحويل أموالهم بالدولار الأميركي في أواخر عام 2019، عندما تسبب نقص العملات الأجنبية في انهيار النظام المالي. وشاهد كثيرون مدخراتهم تتبخر مع فقدان الليرة اللبنانية– المرتبطة بالدولار لأكثر من عقدين– أكثر من 80 في المئة من قيمتها في غضون بضعة أشهر فقط.
لكن القيود لم تصبح رسمية أبداً، ما يعني أن قلة من ذوي العلاقات الجيدة لا يزال بإمكانهم الوصول إلى ودائعهم ونقلها إلى الخارج.
ومن بين هؤلاء العملاء ندي سلامة، نجل حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، والذي كان يحظى بالإشادة الدولية والمحلية بإدارته الاقتصادية، وأصبح الآن يلقى عليه اللوم على نطاق واسع في الانهيار المالي للبلاد.
اكتشف OCCRP سابقاً ما يقرب من 29 مليون دولار من الصفقات العقارية في لندن نفذها ندي سلامة عام 2020، خلال ذروة الأزمة الاقتصادية في لبنان.
كانت الأصول مملوكة في نهاية المطاف لوالده رياض، حاكم مصرف لبنان، الذي يخضع الآن للتحقيق في خمس دول على الأقل بتهمة الاختلاس وغسل الأموال.
في آذار/ مارس، جمد الاتحاد الأوروبي أصولاً بقيمة 120 مليون يورو (130 مليون دولار) في ما يتعلق بالتحقيقات الجارية بما في ذلك الاستثمارات العقارية التي كشف عنها للمرة الأولى OCCRP .
تظهر الوثائق أن 4 تحويلات، تتراوح قيمتها بين مليون دولار ومليوني دولار، غادرت حسابات ندي سلامة في بنك الموارد اللبناني بين 1 تشرين الأول/ أكتوبر و2 كانون الأول/ ديسمبر 2019. وأكد مصرفيان لبنانيان كبيران على دراية بنظام الفوترة الخاص ببنك الموارد، صحة الوثائق.
تبين البيانات أن التحويلات ذهبت إلى الخارج، ولكن ليس إلى أي مصرف أو أي مكان آخر. في حالة واحدة، أظهرت الوثائق أن التحويل تم إرساله عبر بنك “نيويورك ميلون” كبنك مراسل، ولكنه لم يكن الوجهة النهائية.
كما تمكن سلامة من تحويل مليارات الليرات اللبنانية بسعر الصرف الرسمي حتى مع انهيار القيمة السوقية للعملة، ما جنبه خسائر بمئات الآلاف من الدولارات.
في ذلك الوقت، اضطر معظم اللبنانيين إلى الوقوف في طوابير لساعات لمجرد سحب بضع مئات من الدولارات من حساباتهم، أو شراء الدولار الأميركي من السوق السوداء بأسعار مرتفعة للغاية. لا يمكن في كثير من الأحيان استبدال الليرة اللبنانية رسمياً بالدولار إلا بشرط تجميد الأموال لمدة عامين…
انتشرت على نطاق واسع تقاريرعن تهرب النخب السياسية والمالية في البلاد من مثل هذه القيود. في تموز/ يوليو 2020، قال آلان بيفاني، المدير العام السابق لوزارة المالية اللبنانية، لصحيفة “فاينانشال تايمز” إنه تم “تهريب ما يصل إلى 6 مليارات دولار خارج البلاد”، في حين أن “نخبة المال القذر” ألقت عبء الأزمة على عاتق اللبنانيين العاديين.
في دراسة أجريت عام 2020 حول الانهيار، كتب الخبير الاقتصادي الأميركي جيمس ريكاردز أنه “تم تحذير النخب مسبقاً بغرض تحويل الودائع الدولارية الكبيرة إلى خارج لبنان قبل فرض قيود رأس المال” في حين أصبحت مدخرات الشركات العادية والمودعين بالتجزئة “مجمدة وعديمة القيمة فعلياً”.
ألحقت الأزمة أضراراً بنحو 69 مليار دولار بالاقتصاد اللبناني، وفقا لتقديرات حكومية حديثة. فقد دفع نصف سكان البلاد البالغ عددهم نحو سبعة ملايين نسمة إلى براثن الفقر، في حين انهارت خدمات مثل توفير الكهرباء التي تعاني بالفعل من نقص منتظم.
في كانون الثاني/ يناير، انتقد البنك الدولي الطبقة الحاكمة في لبنان لأنها “دبرت” كساداً اقتصادياً بعدما استولت على الدولة و”عاشت على ريعها الاقتصادي”.
إرسال النقد إلى الخارج
منذ عام 1997، حافظ لبنان على ربط الدولار بمبلغ يساوي نحو 1500 ليرة لبنانية لكل دولار، ما سمح باستخدام العملتين بالتبادل في الاقتصاد المحلي.
لكن الحفاظ على سعر الصرف الثابت يتطلب تدفقاً مستمراً للدولارات، التي تم ضخها إلى النظام المصرفي من خلال أسعار فائدة مرتفعة بشكل غير مستدام. أصبح النظام مضطرباًَ في أواخر عام 2019، ومع بدء الدولار الأميركي في النضوب، زادت الفجوة بين أسعار السوق السوداء وأسعار الصرف الرسمية.
أثار الاضطراب الاقتصادي، إلى جانب الغضب من الضرائب المقترحة على الوقود وتطبيقات الرسائل مثل “واتساب”، احتجاجات على مستوى البلاد في تشرين الأول/ أكتوبر 2019. وأغلقت البنوك أبوابها لمدة أسبوعين اعتباراً من 17 تشرين الأول لوقف سحب الودائع.
وقد أطلق هذا سلسلة من التدابير التي ترقى إلى مستوى الضوابط غير الرسمية على رأس المال، حيث منعت البنوك المودعين العاديين من الوصول إلى المدخرات المقومة بالدولار أو نقل الأموال إلى خارج البلاد.
لكن مع تفاقم حالة المودعين اليائسين الذين شاهدوا قيمة مدخراتهم تنخفض، تمكن ندي سلامة من نقل ملايين الدولارات إلى الخارج والاستمرار في استخدام سعر الصرف الرسمي لتحويل مبالغ كبيرة من الليرة اللبنانية، كما تظهر البيانات المصرفية المسربة.
غادر أول تحويل بقيمة مليون دولار حسابه في 1 تشرين الأول، قبل ما يزيد قليلاً عن أسبوعين من الإغلاق المصرفي. وتلت ذلك ثلاث تحويلات أخرى بقيمة إجمالية قدرها 5.5 مليون دولار بعد إعادة فتح البنوك في 1 تشرين الثاني.
في اليوم نفسه، تمكن سلامة أيضاً من تحويل الأموال من حساب مقوم بالليرة اللبنانية إلى حساب منفصل بالدولار بالسعر الرسمي، وبلغ مجموعها أكثر من 2.6 مليون دولار، وهي عملية أخرى كانت مستحيلة بحلول ذلك الوقت بالنسبة لمعظم اللبنانيين. وتظهر الوثائق أنه أرسل بعد ذلك مليوني دولار من المبلغ المحول من الليرة إلى الخارج.
في ذلك الوقت، كان سعر السوق السوداء نحو 1750 ليرة للدولار، ما يعني أن البورصة وفرت على سلامة أكثر من 300 ألف دولار من الخسائر مقارنة بما كان سيتحمله عملاء البنوك الآخرون.
وتظهر كشوفات حساب سلامة المصرفية أنه أرسل أيضا آلاف الدولارات إلى مورد أثاث إيطالي فاخر في 1 تشرين الثاني.
تمت المعاملات في بنك الموارد، الذي يملكه مروان خير الدين، وزير الدولة السابق. وتصدر خير الدين، الذي يخوض الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 15 أيار/مايو، عناوين الصحف بشراء شقة بنتهاوس فاخرة في نيويورك بقيمة 10 ملايين دولار من الممثلة الأميركية جنيفر لورانس خلال ذروة الأزمة اللبنانية في عام 2020.
خير الدين كان نفى في وقت سابق شراء الشقة لنفسه، مدعياً أنه كان مجرد مدير في الشركة التي جعلت الصفقة تمثل عملية شراء شخصية. ومع ذلك، تظهر سجلات Pproperty أن خير الدين وقع نيابة عن الشركة في صفقة شراء الشقة.
تحمل العبء الأكبر
تسببت الأزمة المالية في مشقة هائلة للبنانيين.
في أوائل عام 2020، سارع حسن مغنية، وهو صاحب مطعم وأب لطفلين، إلى سحب 15 ألف دولار من حسابه المصرفي اللبناني لتغطية علاج والدته بعد تشخيص إصابتها بالسرطان. وبعد منعه من الوصول إلى أمواله، رفع مغنية دعوى قضائية ضد مصرفه. ولكن بحلول الوقت الذي تمكن فيه من الحصول على المال قبل حل القضية، كانت والدته قد توفيت.
قال مغنية لـOCCRP، “ما زلت أشعر بالحاجة إلى الانتقام لموتها، لكنني لا أريد اللجوء إلى العنف. ربما سأنتقم بمغادرة البلاد مع عائلتي”.
ومنذ ذلك الحين، ساعد مغنية في تأسيس جمعية المودعين اللبنانيين، وهي مجموعة تناضل من أجل حق الناس في الحصول على مدخراتهم. ومنذ عام 2019، رفعت مجموعة اخرى تدعى “رابطة المودعين اللبنانيين” نحو 300 دعوى قضائية في لبنان والخارج سعياً لتحويل الأموال إلى الخارج وإعادة فتح الحسابات المغلقة.
قال نزار غانم، وهو أحد مؤسسي “رابطة المودعين اللبنانيين”، إن فشل الحكومة في فرض ضوابط واضحة على رأس المال تنطبق على الجميع، سمح لأصحاب النفوذ بإنقاذ أنفسهم بينما يتحمل المواطنون العبء الأكبر من انهيار العملة.
“كان ينبغي لهم تشريع قانون لمراقبة رأس المال منذ اللحظة الأولى. لم يفعلوا ذلك لإبقاء الباب مفتوحاً على مصراعيه للاستثناءات التي سمحت للمحظوظين بتهريب أموالهم”.
لكن مدير فرع في بنك لبناني بارز تحدث دون الكشف عن هويته بسبب مخاوف من إقالته قال إن فرض مثل هذا التشريع الآن سيكون بلا جدوى.
“حتى لو أصدروا قانوناً (لمراقبة رأس المال) الآن، لقد فات الأوان. لم يتبق لأحد أي مال”.
وكانت “occrp” قد سألت بنك الموارد عن أهداف تحويلات ندي سلامة، وعما اذا كانت حساباته لدى المصرف مستمرة وفاعلة، وننشر هنا رد المصرف كما وصلنا:
يمتثل “بنك الموارد”، من مطلق الجوانب، ليس فقط بالقوانين المرعية الإجراء، لكن أيضاً بأفضل الممارسات الدولية في مجال الالتزام بمكافحة تبييض الأموال ومحاربة تمويل الإرهاب، علماً أنّ التزام “بنك الموارد” في هذا المجال مستمرّ منذ أمد طويل، ولم يقّل زخماً بفعل التحدّيات التي يواجهها الاقتصاد اللبناني مؤخراً. إلى ذلك، تعرفون طبعاً أنّ الأنظمة والقوانين اللبنانيّة، التي يسري مفعولها على المصارف في لبنان، تمنع “بنك الموارد” من إعطاء ردّ كافٍ ووافٍ على الأسئلة التي طرحتموها في كتابكم المرسل بتاريخ 6 أيار/مايو 2022. وبالتالي، لا يمكن ولا يجب أن يتطرّق “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” (OCCRP) إلى الرد على أنّ فيه تأكيد، أو نفي، أو تعليق من أيّ نوع كان، على فحوى أسئلتكم. ففي هذه الظروف، سيكون “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” (OCCRP) قد أصدر حتماً بياناً مضللاً، إن كان سيُقدِم، كما ورد في كتابكم المرسل في 6 أيار/مايو، على “التصرّف على أساس أنّ [“بنك الموارد”] لا يودّ الإدلاء بأي تعليق، أو إجراء تعديل، أو حتى الرد على المعلومات التي أوردناها (في “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” (OCCRP)”. وبالتالي، يحتفظ “بنك الموارد” حُكماً بجميع حقوقه القانونية بحق “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” (OCCRP).