نجحت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في إنجاز الاستحقاق الانتخابي الذي تنتهي فصوله غدا الأحد بعد أن تمت بسلام عملية اقتراع المغتربين يومي الجمعة والأحد الماضيين وتصويت الموظفين الذين سيعملون بعد يومين على صناديق الاقتراع، إلا أن أحدا لا يستطيع حسم مرحلة ما بعد الانتخابات لدخول عناصر جديدة زادت مشهد النتائج المترقبة للاستحقاق ضبابية في ظل التفاوت في نسبة المقترعين في دول الاغتراب وعدم اندفاعة البيئة السنيّة للمشاركة في هذه الانتخابات رغم كل المحاولات المستمرة حتى الساعة من قبل دار الافتاء وسفراء مجلس التعاون الخليجي لحث الشارع السنيّ المستقبلي المعاند على التراجع عن موقفه والاستجابة لنداءات القوى السنيّة التي خرجت عن قرار الرئيس سعد الحريري وذهبت إلى تشكيل لوائح في بيروت والبقاع وصيدا
الكل في الداخل والخارج يتحضر لمرحلة ما بعد 15 أيار والتي تحكمها تحديات أساسية تتصل بتأليف الحكومة والاتفاق مع صندوق النقد الدولي وإقرار الكابيتال كونترول وخطة التعافي، وصولا إلى الانتخابات الرئاسية، وبالتالي فإن الاشهر الخمسة الفاصلة عن موعد 31 تشرين الأول ستشهد مساع خارجية على وجه الخصوص لمنع انهيار البلد اقتصاديا وماليا والاستمرار في تقديم المساعدات الانسانية التي بدأتها باريس والرياض عبر مذكرة التفاهم الإطارية للصندوق السعودي الفرنسي لدعم الشعب اللبناني، إلا أن الاكيد أن المساعدات الكبرى للبنان تبقى رهن توقيع الحكومة الجديدة للاتفاق النهائي مع صندوق النقد بالتوازي مع اعتماد المقاربة نفسها التي اعتمدتها الحكومة الحالية تجاه علاقات لبنان مع الدول العربية والخليجية انطلاقا من ضرورة إجراء مراجعة لسياسة لبنان الخارجية، وهنا يفترض عدم وضع العصي في دواليب تأليف الحكومة لحسابات ضيقة قد تطيح بالبلد اقتصاديا وماليا.
وتقول أوساط سياسية إن رسائل الانتخابات يفترض أن تشكل دافعا قويا لإجراء القوى السياسية مراجعة لأدائها تمهيدا لمعالجة ما يعانيه البلد من أزمات ومشاكل من خلال الإصلاح المطلوب من المجتمع الدولي في قطاعات أساسية في الدولة، مع الاشارة إلى أن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أعلن أن حزب الله مصمم على الحضور بفعالية وجدية ومسؤولية في الدولة معتبرا أنَّ “في هذا النظام مشاكل تعيق قدرته على العمل، والمشروع الواقعي والطبيعي لأي حركة سياسية في لبنان هو الإصلاح في النظام والدولة حتّى لو أخذ منحى التّغيير”، لافتًا إلى أنَّ “في هذا البلد تنوّع طائفي ومنذ إنشاء دولة لبنان الكبير البلد قلق ولذلك الكلّ يبحث عن ضمانات داخلية وللأسف خارجية”.
وسط ما تقدم، يمكن القول إن القوى السياسية في صدد البحث الدائم عن الضمانات وتأمين العدالة المطلقة لجميع الطوائف، وربطا بذلك فإن القوى الخارجية وعلى رأسها السعودية وروسيا وفرنسا تتلاقى على ضرورة المحافظة على التوازنات اللبنانية التي اختلت في المرحلة الماضية بعد مقاطعة المملكة لبنان لمصلحة إيران وحزب الله الذي تعاظم نفوذه بعد أن أخليت الساحة المحلية له، الأمر الذي دفع الفرنسيين إلى التدخل وحث الرياض على العودة السياسية إلى بيروت لاستعادة التوازن الذي يشكل مكسبا للجميع، مع الاشارة إلى جهد يبذله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لايجاد الية للحوار بعد الانتخابات النيابية بين رؤساء الكتل النيابية والاحزاب وهيئات من المجتمع المدني لحل الأزمة اللبنانية.
الأكيد أن تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات يبقى الحدث الثاني بعد انتخاب رئيس للمجلس النيابي. وفيما أعلن النائب جورج عدوان أن القوات لن تعيد انتخاب الرئيس نبيه بري لرئاسة المجلس فإن “السلاح” السياسي لحزب الله سوف ينجح في اقناع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في التصويت لبري مقابل ضمانات في ملفات عديدة ابرزها التعيينات، علما أن الملف الرئاسي سيكون خارج اي تسوية لا سيما أن باسيل ليس مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية ووصوله إلى بعبدا دونه عقبات محلية وخارجية لكنه في الوقت نفسه سيكون اللاعب الأساسيي في صناعة الرئيس .
وعليه، يتم الحديث وفق الأوساط السياسية أن يترأس ميقاتي بدعم فرنسي وتأييد من الثنائي الشيعي والحزب الاشتراكي ومعظم قوى 8 اذار، حكومة ما بعد الانتخابات والتي ستحافظ على الستاتيكو الحالي ولو تبدلت بعض الوجوه الوزارية متخطية مفهوم الاقلية والاكثرية، وسط ترجيح الاوساط نفسها لمقاربة سعودية جديدة تجاه حزب الله في المرحلة المقبلة ربطا بإشارة السفير وليد بخاري خلال زيارته المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم أن مشكلة المملكة مع الحزب ليست في لبنان إنما في اليمن، وبالتالي أي مستجد في مفاوضات طهران- الرياض سوف ينعكس إيجابا على العلاقات السعودية – اللبنانية.