منذ بداية مواجهات الغرب والشرق العسكرية، المتمثلة في حرب أوكرانيا، صعدت إلى الواجهة الحرب الاقتصادية كحرب موازية لا تقل شأناً عن الجبهة العسكرية.
وفيما يبدو أن هذه الحرب أيقظت القوى الكبرى المواجهة للمعسكر الغربي على ضرورة تشكيل نظام عالمي جديد عوضاً عن النظام أحادي القطب الذي ساد لفترة طويلة، وهو ما تسعى إليه روسيا اليوم.
في هذا الصدد، كشف السيناتور الروسي “أليكسي بوشكوف”، أن النظام المالي العالمي يعيش إعادة هيكلة رتيبة، معتبرًا أن الأطراف الفاعلة الرئيسية فيها ستكون هي روسيا والصين والهند والسعودية وتركيا.
وقد اعتبر البعض إقحام السعودية، وهي الحليف التاريخي للولايات المتحدة، في تصريحات السيناتور، على أنه محاولة استفزاز للولايات المتحدة التي شهدت علاقاتها مع المملكة توترات وهزات لا يمكن إنكارها مؤخرًا.
بينما قال آخرون إن حقيقة الأمر ليست أنه قد تم إقحام السعودية لأهداف استفزازية، بل أنها قد اتجهت إلى المعسكر الشرقي بإرادتها، بعدما عاملها الغرب بأسلوب أناني يخدم مصالحهم فقط ويضرب باعتباراتها السياسية والاقتصادية عرض الحائط.
والجدير بالذكر أن هذه الأقاويل ليست بجديدة، فلم يمض كثيرٌ من الوقت على الأنباء التي تحدثت حول احتمالية اعتماد السعودية اليوان الصيني في مبيعات النفط إلى الصين، ولعل ذلك كله عبارة عن اختبار لردة الفعل الغربية وتحضير لما هو أكبر مستقبلًا.
وأشار السيناتور “بوشكوف” في منشورٍ كتبه على قناته عبر “تيلغرام” إلى أنه حتى صندوق النقد الدولي يعترف بأن الأحداث الأخيرة قد زعزعت مكانة الدولار كعملة رائدة في العالم. وأضاف: “لم يسقطوا بل اهتزوا. ولكن هذه البداية فقط”.
واعترفت النائبة الأولى للمدير العام لصندوق النقد الدولي “جيتا جوبيناث”، في وقت سابق، بانحسار التأثير العالمي للدولار بسبب العقوبات المفروضة على روسيا.
هل ينتظر العالم نظامًا اقتصاديًا جديدًا… وما علاقة العملات المشفرة بالأمر؟
تؤكد التقارير الاقتصادية، والخبراء الذين تبنوا توجهات محايدة ومجردة، أن النظام المالي العالمي يتجه لإعادة تشكيل نفسه كل فترة تبعاً للأحداث السائدة ووضع السوق العالمية واقتصادات الدول.
وكان لكل فترة عملتها الاحتياطية السائدة، بدءاً من الذهب ثم الانتقال إلى الجنيه البريطاني، وبعدها إلى الدولار الأمريكي، وهو المستمر حتى يومنا هذا، ويبلغ عمر النظام الحالي 50 عاماً، وهو متوسط طول الأنظمة النقدية السابقة.
وتشير التقارير إلى أنّ الأنظمة المقترحة لا سيما من دول الشرق التي تريد الابتعاد عن الدولار، تتجه فيما يبدو إلى العملات المشفرة، أو تكتيك جديد قد يطرح فيما بينها عبر نظام مالي لا مركزي.
وتستفيد الولايات المتحدة وأوروبا بمزايا وفوائد هائلة وكبيرة من النظام المالي المركزي الراهن، ومن حالة العملة الاحتياطية العالمية التي يشغلها الدولار الأمريكي، وهو الأمر الذي بات يزعج دول الشرق.
المعركة الاقتصادية تحتدم:
بينما تقود روسيا معركة عسكرية على الأرض تواجه فيها القوات الأوكرانية ومن خلفها دعم حلف شمال الأطلسي الناتو ودول أوروبية إلى جانب أمريكا، فإن المعركة الاقتصادية لم تتوقف.
حيث يحارب الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بسيف العقوبات الاقتصادية ضد روسيا في محاولة للتأثير على اقتصادها ووقف الحرب العسكرية.
إلا أنّ الاقتصاد الروسية فيما يبدو بدا أمتن مما كان متوقعًا واستطاعت العملة المحلية “الروبل” الحفاظ على قيمتها رغم ضراوة العقوبات.
وبالمقابل فإن دول حليفة للغرب أو حيادية رفضت الانضمام إلى حرب العقوبات الاقتصادية، ومنها دول الخليج العربي وتركيا ومالت إلى الصف الروسي نتيجة تصاعد الخلافات السياسية مع أمريكا الحليفة التقليدية.
ويشير الخبراء إلى أن روسيا تحدثت صراحةً عن أن حربها اليوم لم تعد معركة أوكرانيا على الأرض بل باتت حرباً شاملة لتشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
وحيث أن الثابت حاليًا هو أن الفيدرالي الأمريكي ما زال قادرًا على التلاعب بأسواق واقتصاد العالم عبر قرارٍ للفائدة حينًا وتصريحات بخصوص التضخم أحيانًا، فإن الاستهانة بقوة نظام الدولار، وبقدرة الغرب العسكرية والاقتصادية، لن تكون إلا ضربًا من الحماقة؛ لكن بداية انهيار أي بناء ضخم تكون بتصدع بسيط.