يمارس بعض رجال الدين سطوتهم على اللبنانيين في ترهيب وترغيب واضحين، وفي محاولة لفرض خيارات من دون سواها على الناس، الأمر الذي يشكل خطراً كبيراً على حرية الناخبين ومحاولة التأثير على توجهاتهم الانتخابية.
ففي الأيام الماضية صدرت الكثير من الفتاوى الدينية عن مرجعيات أساسية ومن مختلف الطوائف، تحاول عبرها الايحاء للبنانيين بالاقتراع في هذا الاتجاه أو ذاك، حتى أن البعض منهم صنّف الأصوات في خانة “الأصوات الحلال” و”الأصوات الحرام”، في أكبر عملية ابتزاز للمواطن وقمعه باسم الدين، ومن خلفه باسم أحزابٍ وتيارات سياسية.
فقد تكون للمرجعيات الروحية سلطة ما على رجال الدين، ولكن هل هذه السلطة تشمل أيضاً حقوقهم المدنية والسياسية وتمسّ بحريتهم الشخصية وحقهم بالاختيار؟ وهل هذه السلطة تشمل أيضاً أبناء هذه الطائفة أو تلك من غير رجال الدين؟ ومَن يحمي المناخ الديمقراطي المرافق للانتخابات الذي يكفل للجميع حرية الاختيار بعيداً عن أي ضغوط مادية ونفسيّة؟ وأي خطورة لهكذا توجيهات على حرية الناخب وخياراته؟
لا يمكن مقاربة هكذا فتاوى دينية بعيداً عن العامل النفسي وهو الأقوى من ناحية تأثيره على الناخبين وسطوته عليهم وإن كان بنسب مختلفة ومتفاوتة، لكنه موجود حكماً وشريحة واسعة من اللبنانيين يتأثرون بها، لا سيما هؤلاء الذي لا زالوا يعيشون في هاجس أن “الطائفة بخطر”، والذين يتغلّب لديهم شعور الانتماء الى الطائفة أولاً.
وأشار الاختصاصي في علم النفس الدكتور نبيل خوري، عبر موقع mtv، الى انه “لا شك أن الدين له أثر في عملية خيارات الناخبين، وله أثر في أدوارهم وفي تغطية خياراتهم. ولكن هناك عاملان أساسيان يلعبان دوراً مهماً في إطار توجيه رجال الدين للناخبين”.
وأضاف “أولاً، الادراك أي الوعي إذا توفّرت في المجتمع اللبناني حالات كبيرة جداً من الوعي والادراك ومعرفة خبايا الأمور، فهناك مَن يعرف أدوار رجال الدين المخفية والظاهرة وهناك مَن يحلّلها ويقيّمها سلباً أو إيجاباً، وهذا ما نشهده يومياً على شبكات التواصل الاجتماعي. الناس باتت تعرف الحقائق وباتت تدرك لمَن تعطي ثقتها ولمَن لا تعطي ثقتها”.
وتابع “أما العامل الثاني الأساسي فهو عامل التخلّف الفكري والانساني والاجتماعي والثقافي. هذا الانسان غالباً ما يكون ذكراً أو أنثى عاجزاً عن فهم مكنونات الحياة ودفائنها وتوجهاتها وأنشطتها، وغالباً ما يعرف بأن ثمة نقصا عنده في عملية التحليل وفي القدرات الادراكية، لذلك يتأثر أكثر من غيره بتوجيهات رجال الدين، بالأخص اذا كان من المعتاشين منهم ومن دورهم في حياته ومن وساطتهم في نيله ما يصبو اليه من وظائف أو من الخدمات. وأثر هؤلاء، على الرغم من كونه ليس ضئيلاً، يبقى ثانوياً أمام قدرة الانسان على فهم دوره الانتخابي وتوجهه الانتخابي”.
كما أشار خوري الى انه “يجب أن نأخذ عاملاً ثالثاً بعين الاعتبار، وهو أن هذه الأمور خاضعة أيضاً للمنطق البيئي وللمنطق المناطقي. ففي بعض المناطق المتمدنة والمتحضرة الادراك والوعي أعلى بكثير من المناطق المهمشة والمتخلفة، وتحديداً مناطق الأطراف، حيث الطاقات الفكرية على رغم وجودها تبقى نادرة مقارنة بالطاقات الهجومية والعدائية التي تطفو دائماً على وجه ما”.
بعض اللبنانيين للأسف رهائن لهذا النهج، على أمل أن يأتي يوم ويصبحون فيه مواطنون لا رعايا طوائف، وأن تحلّ الدولة المدنية والعلمانية مكان الدولة الطائفية التي يرعاها حكم طائفي وقانون انتخاب طائفي.
فالطوائف ليست نقمة طبعاً، إنما الطائفية السياسية وتحكّمها بمفاصل حياتنا، عسى أن تنتهي يوماً في النفوس قبل النصوص.
Ch23