أمورٌ كثيرة تبدّلت منذ إعلان الرئيس سعد الحريري قراره بعدم المشاركة وتيّاره في الانتخابات النيابيّة. فبينما يتابع أعماله الخاصّة في الامارات، تقدّم الرئيس فؤاد السنيورة وشكّل لوائح ودعم مرشحين، ودعا الشارع السنّي إلى عدم الاعتكاف، والمشاركة بكثافة في عمليّة الاقتراع في 15 أيّار. وما زاد من الخروج عن قرار الحريري، مطالبة المفتي عبد اللطيف دريان، الجمهور السنّي المشاركة بالانتخابات في أكثر من مناسبة. وقبل أقل من أسبوعين من موعد الاستحقاق الديمقراطيّ، لا زالت تعاميم “المستقبل”، يُردّ عليها سريعاً بالدعوة لممارسة الناخبين لحقّهم. والهدف الاساسيّ هو قطع الطريق أمام “حزب الله” للسيطرة على المقاعد السنّية. فهل كلّ هذه التطوّرات كفيلة بعودة الحريري إلى بيروت، لوضع النقاط على الحروف، وحسم موقفه مرّة أخيرة قبل الانتخابات؟
اعتقد كثيرون أنّ مشاركة السنيورة عبر دعم لوائح ومرشّحين لن تأتي بثمارها، وأنّ جمهور “المستقبل” سيتقيّد بأغلبيته بقرار الحريري، وخصوصاً في بيروت الثانيّة، حيث الثقل الاكبر لـ”التيّار الازرق”. غير أنّ السنيورة وسّع تحركاته، وأصبحت ميدانيّة، ووصل إلى زحلة، لتشجيع الناخبين السنّة على الاقتراع. ولاحظ مراقبون أنّ زيارات السنيورة كانت لافتة ليس فقط في الشكل، حيث كانت وجوه بارزة كانت منضوية تحت راية “المستقبل” في استقباله، إنّ من المرشّحين أو القيادات السابقة أو من النواب والوزراء السابقين في حكومات الحريري، وإنما في المضمون. فرسالة السنيورة لا تزال هي عينها، رفع نسبة المشاركة السنّية لرفع حواصل اللوائح التي يدعمها.
كذلك، نال السنيورة دعماً سنّياً من خلال تجييش الشارع السنّي على أنّ الهدف من المشاركة والفوز بالانتخابات هو قطع الطريق أمام “حزب الله” من الحصول على الاكثريّة النيابيّة، والتمدّد في البيئة السنّية. ويُشير مراقبون إلى أنّ السنيورة ومرشّحيه يدركون أهميّة خوض الانتخابات للحفاظ على نهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وهذا ما يُترجم باللافتات التي تُرفع، لحثّ الناخب السنّي على المشاركة، وعدم التسليم للخصوم، والمواجهة في صناديق الاقتراع.
في السيّاق أيضاً، أصبحت اللوائح التي يدعمها السنيورة بالاضافة إلى الوجوه التي سمّاها معلومة وواضحة. وعلى سبيل المثال، دعا لانتخاب لائحة “القرار الوطنيّ المستقلّ” في البقاع الغربي، لخرق لائحة “الغد الافضل” التي يدعمها “حزب الله” بأكبر عدد ممكن من المقاعد، وضمان إيصال أقلّه ثلاثة نواب في هذه الدائرة. وبالاساس، يعتبر مراقبون أنّ عدم تحالف النائب محمد القرعاوي مع “القوّات اللبنانيّة” كانت خطوة ذكيّة، ومن شأنها أنّ تزيد من نسبة تأييد الشارع المستقلبيّ له، علماً أنّ قاعدته الشعبيّة جيّدة من خارج “التيّار الازرق”. بالاضافة إلى ذلك، دعا السنيورة السنّة لدعم لائحتي “زحلة السيادة” في دائرة البقاع الاولى، و”بناء الدولة” في بعلبك – الهرمل، بكثافة. إذاً، أصبح مرشّحو السنيورة معلومين بقاعاً، وهم بلال الحشيمي في زحلة، والذي انتقد بشدّة قرار الحريري خلال الافطار الذي أقامه على شرف السنيورة، وزيدان الحجيري وصالح الشل في دائرة البقاع الثالثة، والقرعاوي في البقاع الثانيّة. وبالارقام، إذا نجح السنيورة بكسب الرهان، فإنّه سيحظى بقاعاً بكتلة قوامها 4 نواب سنّة، ومساعدة حلفائه من الحزب “التقدميّ الاشتراكيّ” و”القوّات” في تعزيز حظوظهم.
ويرى مراقبون أنّ الضياع في الشارع السنّي ازداد. فما يُطالب به السنيورة بالمشاركة في وجه “حزب الله” هو لطالما كان خيار الحريري و”المستقبل” وحلفائهما في كلّ الانتخابات. كذلك، فقد أتى بيان منسق الاعلام عبد السلام موسى، وتحذيره الشارع السنّي من أنّ “المشاركة ستؤدي الى تأمين غطاء شرعي لـ”حزب الله” يبحث عنه في صناديق الاقتراع” ليزيد من التشرذم، وخصوصاُ وأنّه جاء بعد كلام المفتي في رسالة عيد الفطر. وهنا يسأل المراقبون “لماذا مشاركة الشارع السنّي في الانتخابات المقبلة تُعتبر غطاءً لـ”حزب الله”، فيما الحريري خاض الانتخابات عام 2005 مع “الحزب”، وفي الاعوام التاليّة ضدّه وشارك معه في عدّة حكومات؟”
من هنا، فإنّ الشارع السنّي أصبح منقسماً بعد 24 كانون الثاني الماضي. فقد مرّ شهران ونصف الشهر ، والحريري يلتزم الصمت، ومبتعد عن المشهد السياسيّ اللبناني. وبيانات قيادات وتيّار “المستقبل” لم يعد لها تأثير كبير على الناخب السنّي. وبالتالي، فإنّ دعوات السنيورة، والشخصيات السنّية، والمفتي دريان الشارع السنّي للاقتراع بكثافة قبل أيام معدودة من فتح صناديق الاقتراع، تستلزم بحسب مراقبين تدخلا مباشراً من الحريري، لحسم توجّهات الناخب السنّي المستقبليّ. إمّا عبر المتابعة بتعليق العمل السياسيّ، وهو الامر المرجّح، وإمّا عبر الدعوة إلى الاقتراع، مع إبقاء الخيار للناخبين في اختيار ممثليهم، وهو مستبعد، نظراً لان “المستقبل” لم يُرشّح أي شخصيّة مباشرة.