إعتبرت مصادر إقتصادية خبيرة بالشأن المصرفي، أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال، الفصل بين مصير الودائع والمصارف اللبنانية، فأي تعثر أو إفلاس يصيب أي مصرف سيتحمل تبعاته أولاً أصحاب الودائع في هذا المصرف، فضلاً عن تداعيات ذلك على باقي المصارف والمودعين فيها.
وقالت المصادر “في هذا السياق، بدا جلياً هذا المسار المتلاصق بين المصارف والمودعين في خطة التعافي الإقتصادي الحكومية، التي حَمَّلت هذين الطرفين عبء ردم الخسائر المالية الحاصلة بشطب الخسائر من رأسمال المصارف ومن الودائع، والمقدرة بحوالي 60 مليار دولار”.
وشدّدت على أن علاج الإنهيار المالي، لا يتم بالشعبوية، وليس عبر آلاف الخبراء الذين يملؤن الشاشات والهواء وصفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية، مشيرة الى “أننا أمام حفلة من الشعبوية وعرض العضلات، نراها بتهجّمات يومية على المصارف، تارة من جهات تعلم بحقيقة الأمور لا سيما بعض القوى السياسية لأهداف شعبوية والمنظرين لإهداف عقائدية، وطوراً من جهات لا تعلم لكنها تندفع عاطفياً لإستعادة حقوقها”.
وأكدت المصادر أن “معالجة الأزمة الحاصلة يتطلب منهجية مختلفة، تنطلق من منطق علمي إقتصادي، وإجراءات إقتصادية مالية ونقدية هادفة، وهذا ما لا نراه منذ بدء الأزمة أي من حوالي سنتين ونصف السنة”.
وأوضحت أنه “لو هذا الكلام والضغوط التي تمارس تعيد الودائع لأصحابها، لكانت هذه التصرفات صحيحة وفي مكانها، لكن للأسف الأمر معقد أكثر بكثير من ذلك ويتطلب جهداً كبيراً مبنياً على خطة تعافي إقتصادية شاملةـ تبني على ما تبقى من قدرات وإمكانات وليس شطب رأسمال المصارف وتكبيد المودعين أكثر من 70 في المئة من ودائعهم”.
ولفتت المصادر الى أنه “قبل سنتين ونصف، واليوم، يبقى إقرار قانون الكابيتال كونترول مطلباً أساسياً للحفاظ على ما تبقى من ودائع ووضع إطار قانوني يتم على أساسه التعامل مع جميع أصحاب الودائع بمعايير واحدة. وحتى هذا القانون، المطلب، سقط مجدداً بالشعبوية وبالمزايدات قبل الإنتخابات”.
وقالت “قبل سنتين ونصف كان لدى مصرف لبنان إحتياطات تقدر بـ33 مليار دولار، وهو رقم كبير يبنى عليه، وإذا ما تمت مقارنته مع ما سيقدمه صندوق النقد الدولي وهو 3 مليارات دولار على أربع سنوات، فهو كبير جداً. لكن ماذا حلَّ بهذه المبالغ الكبيرة؟ بالتأكيد لحقت بسابقاتها، عبر سياسة دعم السلع والدواء والمحروقات والقمح وكهرباء لبنان وأيضاً دعم الليرة، وبكلفة إجمالية بلغت حوالي ٢٣ مليار دولار، سحقت بفترة زمنية قياسية لم تتعدَّ السنة والنصف، ونفذت على حساب المودعين ومن أموالهم من دون حسيب ورقيب”.
وأضافت “إذا كان هناك من ضمائر، فليتحدثوا عن “سرقة العصر”، المتمثلة بهدر وفساد “الدعم”. هنا بيت القصيد، وإلا ماذا يفعلون، يزايدون ويريدون أن تدفع المصارف نحو 105 مليارات دولار للمودعين بشكل فوري، في حين أن مجموع ما تبقى من هذه الودائع لدى المصارف ومصرف لبنان لا يتعدى الـ12 مليار دولار”.
وشددت على “أن الخلاص، بإقرار قانون الكابيتال كونترول أولاً، وبخطة تعافي إقتصادي حقيقية تعيد رسملة مصرف لبنان والمصارف مع الحفاظ على الحد الأدنى من الرساميل الحالية لإعادة الودائع الى أصحابها في مدى زمني محدد، وليس تصفية المصارف ومن ورائهم الودائع، والأهم إرادة جامعة لدى القوى السياسية لفعل كل ما يلزم لإنقاذ لبنان، والبند الأخير للأسف غير موجود حتى الآن”، مؤكدة في هذا الإطار على ضرورة أن تتحمل الدولة مسؤوليتها في ردم الفجوة المالية من خلال إنشاء صندوق سيادي يستثمر لإعادة الأموال الى المدعين.
وختمت المصادر بالقول: “بالمختصر المفيد، حذاري، المصارف والمودعين في مركب واحد، وهذا الكلام ليس دفاعاً عن المصارف، إنما يستجيب لمتطلبات التعاطي العلمي والموضوعي مع هذه الأزمة المستفحلة. من يريد الحفاظ على الودائع عليه التعاطي بمنطق إقتصادي موضوعي وعلمي مع المصارف، وأيضاً الدفع بإتجاه إقرار القوانين الإصلاحية المطلوبة والضرورية، وأي ضرر يلحق المصارف سيصيب المودعين حتماً”.