قد يفهم أي متعاطٍ بالشأن العام الهواجس التي تنتاب أهل السياسة اليوم، خصوصًا أن يوم الحساب الكبير بدأ يقترب بخطى وئيدة، مع تصاعد في وتيرة الغضب الشعبي، ومع إحتدام المعارك الإنتخابية. فلا يُلام هذا السياسي أو ذاك الزعيم، الذي بدأت صورة ما هو آتٍ تتوضح لهم وبدأوا يدركون، ولو متأخرًا، كم كانوا مقصرّين في حقّ وطنهم وشعبهم، وكمّ من موجات سياسية مشبوهة ركبوا، وكم هي كبيرة النقمة الشعبية عليهم.
من هنا يمكننا فهم ردود فعل البعض حيال ما يلمسونه لمس اليد من تراجع واضح لشعبيتهم، أولًا داخل بيئتهم الحزبية، وثانيًا لدى عامة الناس. فالرفض المطلق لهذه الطبقة السياسية لم يأت من عبث أو فراغ، بل هو نتيجة ما جنت به على نفسها “براقش”. وكم من “براقش” بيننا اليوم؟
لا تخلو شاشات التلفزة، على تنوعها، هذه الأيام، من حركة، ولو من دون بركة للمرشحين، الذين رأيناهم يتنقلون من منطقة إلى أخرى، ومن مهرجان إلى آخر، مكررين الكلام نفسه، وقد أصبح ممجوجًا لكثرة تكراره وإجتراره، على رغم معرفة الجميع بأن النتيجة واحدة، وهي أن الشعب بأغلبيته الساحقة بات على قناعة تامة بأن الخلاص الآتي حتمًا لن يكون على أيدي غالبية هذه الطبقة السياسية، التي جلبت له كل هذه الويلات والمآسي والكوارث.
وقد نفهم أو نتفهمّ سعي البعض إلى إلغاء الإنتخابات، أيًّا تكن الوسائل المتاحة له، وقد يكون بعضها غير محسوب النتائج والعواقب.
هذا البعض بات على يقين بأن شعبيته متراجعة إلى حدود كبيرة، وهذا ما ستكشفه صناديق الإقتراع، لذلك نراه يتحرّك في كل إتجاه ويتفوّه بكلام لا يصبّ في خانة التهدئة، بل يسعى بكل ما أوتي مما تبقّى له من قوة إلى ضرب الإستقرار العام والتهديد العلني بالدعوة إلى مقاطعة الإنتخابات بحجج واهية.
هذا البعض قد يكون إسمه اليوم عمر، وغدًا زيد. فالجميع في نظر الشعب على مسافة واحدة من مسؤولية إيصال البلد إلى ما وصل إليه. فالأسماء لم تعد مهمّة لأنها باتت متشابهة من حيث الأسباب والنتائج.
فإذا أراد هذا البعض أن يتحرّك في أي منطقة، وهذا حقّه، فإنه يسيّر أمامه وخلفه وحوله طوابير من المواكب المرافقة، فضلًا عن إعلان الإستنفار العام لعديد القوى الأمنية، وذلك بحجة أن أمن هذا البعض مهدّد.
ولأنه لا يزال لدى هذا البعض الكثير من الدالة على المؤسسات الشرعية، ومن بينها بعض الأجهزة الأمنية، يُضرب النفير وتُجمع الوحدات وتنتشر على طول الطرقات التي سيسلكها هذا البعض الذي يخاف من ناسه، ويخاف من حكمهم عليه في 15 أيار.
فهذا البعض سيحاول بشتى الطرق، وأغلبها قد يكون ملتويًا، خلق مناخ مؤاتٍ لـ”تطيير” الإنتخابات. فالأفضل أن تُلغى هذه الإنتخابات على أن تأتي نتائجها على حساب رصيده السياسي.
لا همّ لدى هذا البعض إذا إهتزّ السلم الأهلي. المهم أن يحقّق غاياته. فالهدف يبرّر الوسيلة، أيًّا تكن هذه الوسيلة. هذه هي الدونكيشوتية بعينها. كنا نقرأ عنها في الكتب لكنها أصبحت اليوم واقعًا ملموسًا في كل حركة من حركات هذا البعض.
والأنكى من كل هذا، وفوق كل المصائب النازلة على رؤوس الناس، لا يزال هذا البعض يتبادل مع البعض الآخر الإتهامات، ويكيلان لبعضهما البعض سيلًا من الشتائم، فتُنبش قبور الماضي، وتُستحضر مآس دموية إعتقد الناس أنها قد أصبحت من الماضي، لتعود فتطّل عليهم بأشكال ومسمّيات أخرى لا تقّل سمومها عن سموم الماضي البغيض.
فلماذا كل هذا الشحن الإعلامي البغيض، ولماذا تدفعون الناس إلى مضاعفة كرههم لكم؟