من السهل جداً عند كل حدث، ان ينسى البعض ما يقوم به الجيش اللبناني، وفجأة تُنزَع عنه صفات تكيل له المديح وتعتبره خشبة الخلاص ومصدر الثقة الوحيد في دولة فقد فيها المواطن العلاقة المتينة التي يجب ان تربطه بمؤسسات الدولة، وبقيت المؤسسة العسكرية فقط كحبل الثقة الوحيد الباقي.
فاجعة زورق طرابلس كبيرة، وخصوصاً عندما يتعلق الامر بضحايا بينهم نساء واطفال، فهو ما يزيد الالم، ولكن هل هذا مبرر لوضع الجيش في قفص الاتهام والحكم عليه بالاعدام؟ وكي لا ندخل في تفاصيل التهم والى من يجب توجيهها، خصوصاً وان الجيش غير مسؤول عن الوضع المالي والاقتصادي في البلد، وانه من صلب الواقع اللبناني والعسكر يعيش الظروف نفسها التي يعيشها المواطن، ومسؤول تجاه الداخل والخارج عن مهمة الحفاظ على القانون وسلامة الناس والاملاك، وغير معني بالاحكام التي تصدرها الجهات القضائية بحق المرتكبين والمجرمين الذين اشتكى وزراء من انها “متساهلة جداً”، كي لا ندخل في كل ذلك، سنكتفي بطرح سؤال واحد فقط: هل المطلوب العودة الى دولة الميليشيا؟.
وفق المفهوم العام ان مقومات الدولة تقوم على الارض والشعب والسلطة، وفي ظلّ وجود الارض والشعب، اصبح مفهوم السلطة في لبنان غامضاً، لانّ واجباتها تجاه المواطن فُقدت، واصبح الشعب يكتفي بالواجبات من دون نيل الحقوق، ولن نتوقف ايضاً عند المتهم الرئيسي بالوصول الى هذا الواقع المرير. ولكن الدولة اللبنانية تعتمد على مؤسسة ناشطة وفاعلة ولا تزال قادرة على القيام بأكثر مما هو مطلوب منها، عنينا بها الجيش اللبناني الذي تتوزّع مهامه على كل ما يطال الامن من فض اشكالات بسيطة الى قمع مخالفات وصولاً الى حماية الحدود.
وغني عن التعريف بالظروف المأساوية التي يعيشها ضباط وافراد الجيش، وهم باتوا يعتمدون على الهبات والمساعدات كي يؤمّنوا قوتهم اليومي واكمال مهامهم كل يوم بيومه. واليوم، يتم استهداف هذه المؤسسة، واتهامها بأفظع ما يمكن القيام به وهو قتل نساء واطفال عمداً لم يهددوا حياة احد، بل كانت حياتهم هي المهددة بسبب الوضع الكارثي. وعلى الرغم من أن الفاجعة كبيرة، الا ان الحادثة المأساوية ليست فريدة من نوعها، ففي كل دول العالم يعمد البعض الى اخذ مخاطرة كبيرة ويعمدون الى “تجربة حظهم” بمحاولة الوصول الى دولة اخرى بطرق غير شرعية، وتختلف نسب النجاح وفق الظروف التي تحيط بهذه العملية، وغالباً ما تنتهي بكارثة تكون نتيجتها فقدان حياة اناس اغرتهم طريقة عيش شعوب الدول الاخرى من جهة، وطمع وجشع بعض المهرّبين الذين يرون فيهم مصدر اموال سهل، وسرعان ما ينفضون ايديهم مما ينتظرهم من مصير.
وفي عودة الى السؤال المطروح، اذا كانت السلطة وهي ركن اساسي من اركان مقومات الدولة، قد فقدت ذراعها الوحيد الذي يعمل، اي الجيش، فبماذا يمكن ان نستعيض عن تسمية الدولة؟ سنكون عندها بكل بساطة امام حكم الميليشيا، ويبدو ان هذا هو المطلوب لان البعض يحلو له العودة الى ايام الميليشيات حيث كان “ينعم” بحياة كما يريدها هو على حساب اناس آخرين، فيكون هو السلطة طوال الوقت.
اليوم، وعلى الرغم من كل الظروف الصعبة التي تفرض نفسها، لا يزال الرهان على الجيش ناجحاً، وهو نقطة الالتقاء الثابتة بين الداخل والخارج الذي يمحض ثقته الكاملة للمؤسسة العسكرية ويتعاون معها بشكل تام، ولو انه لا يزال يحظر تسليمها بعض الاسلحة النوعية القادرة على حماية البلد بشكل عام، الا انه تم تزويدها ببعض الاسلحة الكفيلة نسبياً بمواجهة الارهابيين فقط بعد النقص الفادح في العتاد والاسلحة الذي افتقده الجيش خلال محاربته الارهاب في مخيم نهر البارد عام 2007 و”داعش” في عملية “فجر الجرود” عام 2017. من غير المنصف والمنطقي كسر هذا الرهان وتبديده من خلال استهداف الجيش، والا سنكون كمن يطلق النار على نفسه في معركة خاسرة حتماً.