توحي المؤشرات بأنّ خطة التعافي ووضع البلاد على مسار الإصلاح والتعافي وفق ما يشترطه المجتمع الدولي، تبدو بعيدة المنال، مع تعطيل وتأخيرالإجراءات المطلوبة لتوقيع برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي قريباً، ولا حتّى في الفترة التي ستلي الانتخابات النيابية.
يتبيّن انّ خطة إعادة هيكلة المصارف وتصنيفها بين مصرف جيّد ومصرف سيئ، وإعادة ضخ رأسمال جديد في المصارف القابلة للاستمرار، لا تزال مجرد افكار في التداول،، كونه لم تتمّ بعد صياغة قانون إعادة هيكلة المصارف للبدء في مناقشته والاختلاف عليه واندلاع حروب داخلية من اجله وصولاً لإقراره، في حال اجتاز قطار الإصلاح المسافة بينه وبين قانون «الكابيتال كونترول» ومشروع الموازنة… وبالتالي، ستستمرّ المصارف التي فقدت وظيفتها الرئيسية المتمثلة بتمويل الاقتصاد، منذ اندلاع الأزمة في 2019، بممارسة العمليات المصرفية البسيطة التي لا تدرّ لها الأرباح التي كانت تحققها، والتي تقتصر حالياً على السحوبات النقدية وإيداع الشيكات، والبيع والشراء عبر صيرفة او تحويل الاموال داخلياً، بالإضافة الى وظيفتها الجديدة المتمثلة بفتح حسابات جديدة للدولارات الفريش، من اجل إتمام عمليات التحويل من والى الخارج. ورغم انّ المصارف رفعت قيمة الرسوم التي تتقاضاها على تلك الاعمال وعلى غيرها بنسب كبيرة، فإنّ بعضها قرّر منذ فترة، عدم الاكتفاء بهذا الدور البسيط، وبدأ بطرح منتجات جديدة هي عبارة عن قروض مصرفية بالدولار واخرى بالليرة.
الشرط الاول لتلك القروض، إن كانت بالدولار او بالليرة، انّ المستفيدين منها لن يحصلوا عليها بالسيولة النقدية، بل انّها قروض يمكن وصفها بالرقمية، على غرار العملة الرقمية، لأنّ الاستفادة منها تقتصر على تحويل الاموال من حساب مصرفي الى آخر.
في ما يتعلّق بالقروض التي تمنحها بعض المصارف للتجار او الصناعيين، والتي يدخل بعضها في اطار الـoxygen fund الذي تمّ تأسيسه في 2020 لدعم الصناعيين اللبنانيين، فإنّ تلك القروض تُمنح بالدولار، وتوقّع عقودها خارج لبنان على ان تُسدّد حصراً بالدولار وتتراوح الفوائد عليها بين 7 و10 في المئة ومدّة سدادها 180 يوماً بالحدّ الأقصى، وهي تُستخدم لفتح الاعتمادات المصرفية اي انّه لا يحق للمقترض ان يستخدم هذا القرض نقداً أي من خلال سحب السيولة النقدية كما جرت العادة، بل من اجل تحويل الاموال في الداخل او الى الخارج لحسابات مصرفية اخرى، مقابل إبراز فواتير ومستندات تحدّد غرض استخدام تلك الاموال اي التحويلات المالية. وبالتالي، لن تساهم تلك القروض في ضخّ سيولة نقدية في السوق بنسبة توازي حجمها الفعلي، لأنّ الجزء الأكبر منها سيُستخدم للتحويلات المالية الى الخارج.
اما في ما يتعلّق بالقروض التي يمنحها بعض المصارف بالليرة اللبنانية، فهي منتج مخصّص لرفد الخزينة اللبنانية بالاموال وتحفيز القطاع الخاص على تسديد متوجباته للدولة. وعلى غرار قروض الدولار، لا يمكن ان تُستخدم تلك القروض لسحبها نقداً، بل فقط من خلال الشيكات المصرفية ولصالح مؤسسات الدولة اللبنانية حصراً، أي لتسديد الضرائب على مختلف انواعها Tva، ضريبة دخل، والرسوم الجمركية وغيرها…
بالإضافة الى ذلك، سيعاود مصرف الإسكان منح قروض جديدة لشراء وبناء او ترميم منزل في الأرياف وضواحي المدن والمناطق وليس العاصمة وضواحيها، بقيمة تصل إلى مليار ليرة، ما يعادل حالياً حوالى 36 الف دولار، تُسدّد ضمن مهلة 30 عاماً، على ان تكون الدفعة الاولى من القرض تساوي 20 في المئة من قيمته، وبقيمة 400 مليون ليرة لترميم المسكن بفائدة 5% مدعومة.
وقد اعلن رئيس مجلس الإدارة المدير العام لمصرف الإسكان أنطوان حبيب، أنه بعد 45 يوماً سيُفتح باب تقديم طلبات قروض الإسكان وفق شروط عادية، حيث يتمّ السعي لتحويل القرض العربي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، بما يُعرف بالقرض الكويتي بقيمة 165 مليون دولار، والذي سبق ان أقرّه مجلس النواب اللبناني.
يبقى السؤال، من سيتقدّم بطلب للحصول على مليار ليرة (36 الف دولار) لا تكفي لشراء شقة صغيرة؟ وفي حال اقترض احدهم تلك الاموال، هل سيجد من يقبل بتقاضيها شيكاً مصرفياً بالليرة او نقداً بالليرة؟ علماً انّ بيع الشقق او اعمال البناء والترميم أصبح اليوم يعتمد حصراً على الدفع نقداً وبالدولار، وبالتالي هناك خوف من ان تنتهي بعض اموال هذه القروض السوق السوداء، لشراء الدولارات، في حال قبل المستفيد الاخير منها، أي المطوّر العقاري على سبيل المثال، البيع مقابل شيك مصرفي بالليرة اللبنانية، على اعتبار انّ قيمة القرض لا تكفي وحدها لشراء شقة، ولو صغيرة.