في التاسع من آذار عام 2020 أعلن حسان دياب في اجتماع للحكومة ترأسه ميشال عون، إمتناع لبنان عن دفع ديونه، لا بل إنه لم يتردد في تصوير هذا الموقف الطائش على أنه بطولة وجسارة، بينما كان المطلوب عملياً ان نكون في مستوى سري لانكا على الأقل أو قبرص أو الأرجنتين، وكل هذه الدول بادرت فوراً بعد انهيارها اقتصادياً وخلال أيام قليلة الى اعلان خطتها حول “الكابيتال كونترول”.
في لبنان البائس وعلى يد منظومة العصابات السياسية التي نهبته وتمضي في حَلبِه، كان يُفترض ان تعلن خطة “الكابيتال كونترول” في تشرين الأول من عام 2019 وان تترافق بالضرورة مع خطة للنهوض الاقتصادي تقنع صندوق النقد الدولي، ولكن ليس من مسؤول في هذه الدولة البائسة إلا ويتحدّث صباحاً ومساءً عن “خطة التعافي” التي زاحونا بها لكنها تبقى سراً نووياً دفيناً عند الرؤساء والمراجع من غير شرّ.
يوم الإربعاء الماضي تمّ تسريب بنود ومرتكزات ومسخرات “خطة التعافي”، أو بالأحرى خطة التعتيم على النهب الذي أفلس البلد، لأنها عملياً تحمّل المصارف والمودعين الجزء الأكبر من فجوة الخسائر، أي 60 مليار دولار من أصل 72 ملياراً، على قاعدة قول الميقاتي ان الدولة مفلسة وغير مليئة، في وقت من المعروف ان هذه الدولة تديرها مجموعة من الفاسدين والعصابات الذين يتوارث معظمهم النهب والسرقة، ولكن رغم قيام رؤساء النقابات والمهن الحرة والروابط بالدعوة إلى عدم المسّ بالودائع والظن انهم نجحوا في تعطيل اجتماع اللجان النيابية المشتركة لتناقش قانون “الكابيتال كونترول”، جاءت المفاجأة عبر دعوة الرئيس نبيه بري الى متابعة دراسة مشروع القانون الثلثاء، وهو ما لم يحصل بسبب عدم اكتمال النصاب، وكان من المتوقع ان تحصل مواجهة حامية بين الكتل النيابية الرافضة لصيغة الحكومة والنقابات والمهن الحرة، خصوصاً بعد اتّهام ميقاتي بأنه ليس صادقاً في تعهداته الزائفة بحماية أموال المودعين!
ومن الواضح الآن ان “خطة التعافي” والمفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي باتت تواجه تعقيدات عميقة، وخصوصاً بعدما أعلنت جمعية المصارف رفضها الخطة أصلاً وفصلاً، والتي تحمّل المصارف والمودعين القسم الأكبر من خسائر الدولة التي نهبتها منظمة الحرامية، مؤكدة ان هذه الخطة كارثية وتناقض الدستور والقوانين المرعية.
وإذا كانت جمعية المصارف قد رفضت مسودة خطة أولى في شباط الماضي، فها هي ترفض الخطة الثانية، متعمدة القول ان موقفها هو بمثابة اعلان تبلّغه لجميع المعنيين بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وان الجمعية خارج أيّ اتفاق مع الصندوق. وبإزاء كل هذا، هل يتذكر عون وبري وميقاتي، والذين يحيكون هذه المخارج التي تبرىء ذمة المسؤولين السياسيين، الذين قال عنهم عون “انهم حماة الفساد”، والذين تناوبوا منذ أعوام على نهب الدولة، ان هذه الخطة البائسة تبرىء ذمم السارقين وتنحر المودعين والمصارف؟
فعلاً هل يتذكر الرؤساء الثلاثة أن خطتهم لـ”الكابيتال كونترول” ستجعل من أموال المودعين مجرد بخار أو “وعود بالكمّون” ولمدة أعوام تليها أعوام، رغم ان الاتفاق مع صندوق النقد يتطلب توافقاً عريضاً يشمل السلطتين التشريعية والتنفيذية، والفئات الاقتصادية والإجتماعية والقطاع الخاص والمجتمع المدني وجمعية المصارف، والهيئات الشعبية، وكل هؤلاء لا يمثلون شيئاً في نظر الدولة التي نهبتهم وتريد تحميلهم المسؤولية!