تصعب يوماً بعد يوم مهمّة لملمة الأزمات ومواجهتها. فبعد نقص الأدوية وانقطاع الكهرباء وارتفاع فاتورة المولدات الخاصة التي اتّجه أصحابها مؤخراً إلى التقنين، بدأت أزمة المياه بالتفاقم، وهي مرشّحة للأسوأ بحلول فصل الصيف. وتلتمس الكثير من المناطق حالياً أزمة المياه التي تصل إلى المنازل عبر شبكة مؤسسات المياه وتُضَخّ في القرى عبر مولّدات ضخمة تسحب المياه من الخزانات والآبار، وتضخّها في الشبكة. وهذه المولّدات متوقّفة في الكثير من المناطق بسبب انقطاع كهرباء الدولة وعدم توفّر المازوت لتشغيلها. ما يزيد الطلب على مصادر المياه الخاصة التي تتحوَّل رويداً إلى سوق سوداء تعيد التذكير بسوق البنزين.
حاجة متزايدة
استبقت أزمة الكهرباء والمازوت موسم الصيف وما يحمله من جفاف يُلزِم معظم اللبنانيين على شراء المياه. فالكهرباء المقطوعة كلياً تمنع محطات ضخ المياه من إيصالها إلى المنازل. ولم تستطع مؤسسة مياه لبنان الجنوبي الصمود أكثر أمام ازدياد الضغط، فكانت سبّاقة إلى الإعلان يوم الثلاثاء 26 نيسان، أن “الانقطاع التام للتيار الكهربائي والذي تعاني منه مختلف المناطق اللبنانية يشمل أيضاً منشآت المؤسسة ومحطاتها، لا سيما آبار تفاحتا ومحطات صور وبنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا وغيرها من محطات الإنتاج الرئيسية والآبار ومحطات التوزيع”. ويعني هذا الإعلان أن المؤسسة ترفع عن كاهلها مسؤولية انقطاع المياه في المناطق المذكورة، ومثلها ستفعل تباعاً فروع مؤسسات المياه، بشكل علني أو غير علني.
وبعيداً من النشر الرسمي، فإن حركة صهاريج المياه على الأرض كفيلة برسم صورة واضحة لما يحصل ولما نحن مقبلون عليه. فالمناطق اللبنانية تأثّرت بانقطاع الكهرباء عن مضخّات المياه الرئيسية، بنسبة تتراوح بين 70 إلى 100 بالمئة، ما نشَّطَ حركة أصحاب الصهاريج الذين ما عادوا قادرين على تلبية الطلب المتزايد في الأوقات المناسبة.
ولتقليل المعاناة على الأهالي، تتّجه بعض البلديات إلى تركيب نظام الطاقة الشمسية لتشغيل مولّدات الضخ وتأمين المياه للمنازل. لكن هذه الطريقة مكلفة وليست في متناول كل البلديات، ما يجعلها تتّجه إلى المساعدات من بعض رجال الأعمال والمتموّلين من أبنائها، أو إلى الجمعيات والمنظمات الدولية. وفي الجنوب يُضاف ركن آخر وهو قوات اليونيفل التي تقدّم المساعدات للبلديات.
المازوت كلمة السرّ
إن كانت بعض البلديات اعتمدت على الطاقة الشمسية أو تدرس امكانية اعتمادها، فالسبب هو عدم القدرة على تأمين المازوت الذي يُسَعَّر بالدولار بما يفوق ما يحدّده جدول تركيب الأسعار الصادر عن وزارة الطاقة. فسعر صفيحة المازوت حسب الجدول يبلغ نحو 20 دولاراً، فيما تُباع في السوق بين 25 و30 دولاراً.
وكما البلديات، يواجه أصحاب الصهاريج وآبار المياه الخاصة معضلة المازوت. فسحب المياه من الآبار إلى الصهاريج يحتاج المازوت، ونقل المياه إلى المنازل يعتمد على المازوت أو البنزين، وفي الحالتين، الكلفة مرتفعة وتضاف إلى الفاتورة النهائية التي يدفعها الزبون، والتي تتخطّى أحياناً الـ200 ألف ليرة لخزان المياه. علماً أن بعض العائلات تحتاج إلى خزّان كل 48 ساعة، فيما متوسّط الحاجة هو خزّان كل 3 أيام، كلفتها لا تقل عن 400 ألف ليرة أسبوعياً، أي ما لا يقل عن نحو مليون و600 ألف ليرة شهرياً، فيما الحد الأدنى للأجور ما زال 675 ألف ليرة. وتختلف الفاتورة من منطقة لأخرى لتصل الكلفة الشهرية إلى نحو ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور.
صعوبة تأمين المازوت تدفع بعض أصحاب الآبار الخاصة إلى عدم تشغيل مضخاتهم، ما يقلّل العرض مقارنة مع الطلب، فيصعب تأمين كل الطلبات، فترتفع الأسعار وتزدهر السوق السوداء، ليس فقط بين أصحاب الصهاريج الذين يفضّلون تلبية طلب مَن يدفع أكثر، بل بين أصحاب الآبار الذين يحدّدون ساعات وأيام متفاوتة لتشغيل مضخّاتهم، وينتقون بمزاجية مَن سيتعاملون معه. وفي النتيجة، يتهافت أصحاب الصهاريج على آبار المياه ويستعيدون مشهد طوابير السيارات أمام محطات الوقود.
تحذير دولي
ومع صعوبة إيصال المياه إلى المنازل بسبب غياب الكهرباء والمازوت، فإن توفّر المياه في حدّ ذاته محفوف بالمخاطر. فقد حذّرت منظمة اليونيسف في العام الماضي من أن 4 ملايين شخص، بينهم مليون لاجىء، سيفقدون المياه. أما الحفاظ على تدفق المياه لهؤلاء، فيحتاج إلى 40 مليون دولار سنوياً.
وفي صلب أزمة توفير المياه، تنقسم المعضلة إلى قسمين، مياه الشرب ومياه الخدمة. إذ أن مياه الدولة غير صالحة للشرب في الكثير من الأحيان، وإن اضطر البعض لشربها. وليس بالقول مبالغة أن كل اللبنانيين يشترون مياه الشرب التي بدورها تتفاوت في مستوى نظافتها. وبالتالي، فاللبنانيون يدفعون ثلاث فواتير للمياه، واحدة للدولة، وأخرى لصهاريج مياه الخدمة، وثالثة لمياه الشرب التي تبقى مؤمَّنة بوتيرة أكبر من مياه الخدمة لأن الحاجة إليها أقل، كما توفّرها شركات خاصة كبرى يمكن الاعتماد عليها، فيما لو اعتكف أصحاب المؤسسات في المناطق، مع أن أغلبها غير مرخّص وغير مستوفٍ للشروط الصحية.
للأسف، لا تبدو أزمة الكهرباء والمازوت متّجهة للحل، بل إلى مزيد من التأزّم. ما يحيل توفُّر المياه إلى المجهول، فيما الثابت المعلوم هو ارتفاع الفواتير.
المدن – خضر حسان