كثر من مفارقة مالية وسياسية واقتصادية تُسجّل اليوم على الساحة الداخلية، ولعلّ أبرزها قرار البنك الدولي بتجميد التمويل لمشروع استجرار الغاز من مصر، والرفض الشعبي لما تسرّب من خطة التعافي، فيما على أرض الواقع يستمرّ الإرتفاع “المشبوه” لسعر صرف الدولار في السوق الموازية، والذي تتعدّد أسبابه، كما أهدافه التي تتخطى الواقع المالي المأزوم إلى الواقع السياسي والإستحقاقات المدرجة على أجندة كلّ من الحكومة والمجلس النيابي في المرحلة المقبلة، وتأتي في مقدّمها الإنتخابات والإتفاق مع صندوق النقد الدولي.
في الموازاة، تستمرّ تردّدات تسريب بعض بنود خطة التعافي على الساحتين السياسية والإقتصادية، وذلك، في سياق سيناريو قرأ فيه الباحث الإقتصادي جاسم عجاقة، إحتمالين، الأول محاولةً واضحة لضرب هذه الخطة من خلال إخراج عيوبها، علماً أن هذه العيوب كثيرة وأبرزها عيب المسّ بالودائع، والثاني، محاولة المسرّبين جسّ النبض لإستشراف مدى قدرة اللبنانيين على الإعتياد على ما ورد فيها.
وقال عجاقة لـ “ليبانون ديبايت”، إن هذين الإحتمالين واردين، لذلك، فإن السؤال المطروح حول ضرب الخطة يصلح للإحتمال الأول. أمّا بالنسبة للثاني، فإن ما هو معلوم، أن هذه الخطة هي في حوزة 4 أو 5 أشخاص فقط شاركوا بالمفاوضات مع بعثة صندوق النقد، ومن الممكن معرفة الشخص أو الجهة التي سرّبتها، وبالتالي الأهداف الحقيقية من وراء ذلك.
وعن تأثير هذه الخطوة على مصير المفاوضات مع صندوق النقد، لم يحدّد الباحث الإقتصادي عجاقة، ما إذا كان من الممكن اعتبارها انتكاسةً، إذ أن اللجان النيابية النيابية المشتركة سوف تستكمل البحث بقانون الكابيتال كونترول الأسبوع المقبل، كما توقّع أحد النواب إقرار خطة التعافي قبل الإنتخابات النيابية، أي بعد أقلّ من شهر، ممّا يعيدنا إلى الإحتمال الأول بأن الهدف من التسريب هو التسويق للخطة، وبالتالي، فإن من يقف وراء هذه الخطة، ومن ضمنها قانون الكابيتال كونترول، هو مصرّ عليها.
ويكشف في هذا الإطار، عن معلومات مؤكدة بحوزته تفيد بوجود ضغوط دولية، وخصوصاً من فرنسا ومن صندوق النقد لإقرار الكابيتال كونترول وإنجاز خطة التعافي، لكنه في الوقت نفسه، يوضح أن ما هو غير مؤكد، هو إذا كانت باريس أو المجتمع الدولي أو صندوق النقد، يؤيّدون محتوى خطة التعافي وصيغة الكابيتال كونترول الحالية، وهذا يبقى مخفياً في الوقت الحالي.
ورداً على سؤال عن التقاطع ما بين الصندوق والمجتمع الدولي على أولوية الإصلاحات، في ضوء قرار البنك بتجميد تمويل مشروع استجرار الغاز من مصر، يشدّد عجاقة، على أن هذا التقاطع ليس أمراً مستجداً، والإجتماعات الدولية حول الملف اللبناني هي دورية، والتنسيق كامل بين صندوق النقد والبنك الدولي، وهما ملزمان بالتنسيق وفق أنظمتهم وقوانينهم، وذلك، لأن عملهما متكامل، أي أن صندوق النقد يركّز على إعادة التعافي المالي، بينما البنك الدولي يهتم بالإعمار والإنماء، ولذا، لن يعطي البنك الدولي أي مساعدة لقطاع الكهرباء من دون حصول إصلاحات، وهو أمرٌ أصبح معروفاً من الجميع، وبالتالي، ما من جهةٍ أخرى سواء كان دولةً صديقة أو دولة راغبة بمساعدة لبنان، تستطيع اليوم أن تتخطى صندوق النقد أو البنك الدولي، ولذا، فالتنسيق مطلق، ولن يكون أي تمويل من أي طرف من دون إصلاحات.
وعن مصير الإتفاق مع الصندوق، يؤكد عجاقة، أنه من الواضح وجود إصرار من قبل المسؤولين على تمرير هذا الإتفاق، سواء عبر تصريحات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أو بعض النواب، وبالتالي، فالإتفاق ليس مهدّداً اليوم، وقد تخطى الشقّ الإقتصادي والتقني وأصبح شقاً سياسياً بامتياز.
وحول مصير الودائع في ضوء ما يتردّد عن احتمال شطبها، فيرى عجاقة، أنه خطير جداً، لأن المسّ بودائع اللبنانيين وحتى برأسمال المصارف، ووفق ما هو مطروح اليوم، يأتي من قبل السلطة، ممّا يأخذ مشهد التأميم، وفي حال نُفِّذ سوف يضرب الإقتصاد وقدرته على جذب رؤوس الأموال، إلاّ إذا كانوا يراهنون على دعم كبير ما من أجل تمرير هذه المسألة.