عقاب الشعب اللبناني لا يبدو أن له نهاية. ما إن طويت صفحة “الكابيتال كونترول” ربما مؤقتاً الى ما بعد الانتخابات، بسبب ما وصفه الرئيس نجيب ميقاتي بـ “الشعبوية”، حتى علق اللبناني في الدرج المتحرك صعوداً فقط للدولار، الذي لامس الـ28 ألف ليرة، ليصلب المواطن مراراً على خشب جشع التجار والفجار من أهل السلطة، التي تستعد للتجديد لنفسها في انتخابات “الحواصل المخنوقة”.
ومع تحليق الدولار حلقت أسعار السلع أيضاً، فيما يبدو أن صوت اللبناني وحده الرخيص وسط معمعمة انتخابية كان يفترض أن ترمى فيها أموال في السوق الانتخابية مع كثرة اللائحات والمرشحين، ما يؤمن نوعاً من الاستقرار ولو المؤقت المصطنع.
ويرى محللون أن دولاراً بسقف 30 ألفاً سيكون محطة يمكن أن تنطلق معها احتجاجات شعبية سريعة، وبالتالي تفرض الانشغالات الأمنية نفسها على ما عداها من استحقاقات، فتكون هناك فرصة لتأجيل الانتخابات في حال كان ذلك يخدم أطرافاً قوية، خارجياً وداخلياً.
واقعياً، وبعد أشهر طويلة من المد والجزر حول اجراء الانتخابات النيابية من عدمها، يبدو أن الاستحقاق بات قائماً الا اذا طرأ طارئ، وكل المتسابقين الى الندوة البرلمانية يزينون حواصلهم بميزان الجوهرجي لأنهم على يقين بأن هذه المحطة هي العمود الأساس في الاستحقاقين الحكومي والرئاسي اللذين يلفهما الكثير من الغموض، ويشوبهما العديد من التعقيدات ما يدفع المحللين السياسيين والمراقبين الى اعتبار مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية الأكثر خطورة والأكثر دقة، وتحتمل العديد من السيناريوهات التي جميعها لا تبشر بقيامة لبنان ولا بتدحرج حجر الأزمات عن صدور اللبنانيين.
ثمة سيناريو يقول إن حكومة “معاً للانقاذ” برئاسة نجيب ميقاتي ستستمر في سلطتها التنفيذية بعد التوافق على بقائها بحيث تكون هناك استشارات نيابية سريعة وشكلية، ليبقى المشهد الحكومي بعد 15 أيار على ما كان عليه قبله، وعلى هذا الأساس يعطي ميقاتي وعوداً لصندوق النقد الدولي. وهناك رأي ثان يجزم بأن البلد ذاهب الى فراغ حكومي في ظل التباعد الكبير بين القوى، كما أن الشخصية التي ستكلف لن ترضى بالتكليف من دون ضمانات التأليف لا سيما أن الوقت ضاغط. وبين الرأيين برز معطى مفاده أن رئيس الجمهورية لن يوقع على أي تشكيلة وزارية اذا لم يتم توزير النائب جبران باسيل وإسناد حقيبة وازنة اليه في حكومة ستدير الحكم في حال حصل الفراغ على المستوى الرئاسي، مع العلم أن “حزب الله” لن يعارض هذا الطرح لأنه يريد استرضاء رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر” خصوصاً وأنه لم يتبنّ ترشيح باسيل لرئاسة الجمهورية.
وإذ أكد مصدر مقرب من رئيس الحكومة أن الحكومة ستكون حكومة تصريف أعمال فور حصول الانتخابات النيابية وأن الاتفاق مع صندوق النقد هو اتفاق بين الدولة ممثلة بالحكومة وبين الصندوق، والأمر ليس منوطاً بأشخاص، يبقى السيناريو القائل إن الحكومة ستكون صورة مصغرة عن المجلس النيابي الجديد، ويجب أن تكون تركيبتها دقيقة للغاية لأنها ربما ستتحمل المسؤوليات الرئاسية، مع التأكيد أنها لن تكون حكومة مفاوضات مع صندوق النقد ولن تحقق الاصلاحات التي ربما ترجأ مرة جديدة الى ما بعد الاستحقاق الرئاسي من دون إسقاط التطورات الاقليمية والتعاطي الدولي مع لبنان من الحسبان. كل ذلك، وسط تخوف على مصير البلد إن كان سيصمد الى تلك المرحلة لأن تفاقم الازمات ينذر بارتطام ربما تتطور تداعياته الى فوضى وحوادث أمنية.
ch23