في لبنان فسادٌ خطير. هذا ما تحدّث عنه تقرير حقوق الإنسان الأميركي، عارضاً لتفاصيل هذا الفساد متطرّقاً إلى “القيود الخطيرة” التي تُفرض على حريّة التعبير والإعلام. وهذا أمرٌ لا بدّ من التوقّف عنده والتمعّن في تفاصيله لما له من انعكاس على هويّة لبنان ووجهه الديمقراطي.
ليس من العاديّ أن يُقال ذلك عن لبنان، البلد الديمقراطي الذي يصون دستوره حريّة الرأي والتعبير والذي ما عُرف إلا هكذا، فماذا يقول المعنيّون بشأن ذلك؟
تؤكّد رئيسة جمعيّة “نضال من أجل الإنسان” ريما صليبا، في حديثٍ لـ”الأنباء” الإلكترونيّة، أنّه “ممّا لا شكّ فيه أنّنا نشهد في لبنان في السنوات الأخيرة تراجعاً كبيراً في هامش الحريات وتضييق على حرية التعبير. ورغم أنّ لبنان اعتاد تاريخيًّا أن يكون من أكثر البلدان التي تتمتّع بحريّة الاعلام في العالم العربي، الواقع الحالي لا يؤكد هذه الحالة اذ نشهد تراجعاً أكثر فأكثر سنة بعد أخرى”. وتضيف: “نعم، الدستور اللبناني يكفل حرية التعبير وحرية المعتقد وقد صدرت قوانين عدّة لحماية الصحافة وحماية حرية التعبير لكن للأسف هي تنتهك يوميًّا”، وتعطي صليبا مثلاً على ذلك، قائلة: “محكمة المطبوعات هي الوحيدة المؤهلة بحسب القانون بالنظر في القضايا المتعلقة بالاعلام والاعلاميين، إلا أنّنا نشهد في هذه الفترة استدعاء ناشطين واعلاميين الى التحقيق من دون المرور عبر محكمة المطبوعات. وذلك يحصل عبر أجهزة أمنيّة تحوّلت الى أجهزة سياسيّة بيد السلطة الحاكمة وهذا نوع من القيود على الاعلام. وبهذا تصبح حرية الاعلام غير مكفولة”.
وتُتابع صليبا: “عندما تخفّ الحريات الاعلامية وحرية التعبير وعندما يستوطن الخوف بعقول المفكرين أو الصحافيين نجد أمامنا تلقائيًّا تراجعاً بهامش الحريات المسموح بها”، مشدّدة على أنّ “لبنان لم يتحوّل الى نظام قمعي بعد، إنّما هناك خطوات جديّة عند البعض لتحويله”.
هنا تتطرّق إلى عملية اغتيال لقمان سليم، وتقول: “دفع ثمن حرية التعبير وقُتل في منطقة جغرافية تهيمن عليها قوى خارج السلطة وقد وقف التحقيق عاجزاً عن الوصول الى الحقيقة”، ما يفتح الباب على إحدى النقاط التي ذكرها التقرير وهي “أنّ كيانات غير حكومية مثل حزب الله وجماعات فلسطينية غير حكومية تدير مرافق احتجاز غير رسمية”. وأورد أيضاً “حالات قتل لمنتقدين بارزين لحزب الله، واشتباكات بين عناصر الحزب وأفراد من القبائل”. فكيف تعلّق صليبا؟ “أمرٌ لا نستطيع تأكيده إنّما كل شي يدلّ على وجود مرافق الاحتجاز هذه ولكن من دون الوصول الى دليل او اثبات قاطع. إلا أنّه طالما هناك أماكن تخضع لسلطة حزب الله وحصلت فيها حوادث ولم يتم اتمام التحقيق فيها، فهذا دليل بحدّ ذاته”.
على صعيد آخر، تطرّق التقرير أيضاً إلى تفلت المسؤولين في لبنان من العقاب. وهو أمرٌ نسأل صليبا عنه، فتُجيب: “هذا أكثر ما نشهده اليوم، وخير دليل على ذلك تحقيقات انفجار المرفأ، إذ توقّفت نتيجة تدخّل السلطة السياسية والتحايل على القانون”. وتختم: “يجب التركيز على استقلالية القضاء ولضرورة تطبيق القانون في القضايا الإعلامية ووضع قانون عصري للإعلام يشمل الاعلام الالكتروني. إذ وبإختصار فإنّ غياب سيادة الدولة يسمح بقيام جزر أمنية متفلتة تماماً”.
في بلد تنهار جميع أعمدته، تُقيّد الحريّات. فهل سنخسر أيضاً ميزة لبنان ليتحوّل إلى بلد يخنق ساكنيه؟