الجواب على سؤال العنوان ليس سهلاً وبسيطاً في ظل الانهيار الحالي، وتفرق اللبنانيين شعوباً وقبائل وعشائر وأقوام، يستثمر بهم حكامهم ليل نهار لإحكام السيطرة عليهم وسوقهم خاضعين إلى معاركهم الواهية. وليس سهلاً في ظل تفرق مجموعات المعارضة في لوائح متضادة. لكن التعويل في التغيير يبقى على الأغلبية الصامتة التي لا تجد عادة أي نفع من المشاركة في استحقاق معروف النتائج مسبقاً. هذا في وقت تمتلك هذه الأغلبية الأرجحية في كل الدوائر الانتخابية لإعادة خلط الأوراق، إذ يكفي أن تشارك نسبة ضئيلة من الصامتين لقلب الموازين وحسابات الماكينات الانتخابية لأحزاب السلطة.
البديل موجود
ليس صحيحاً أن البديل غير متوفر أو عاجز عن حكم اللبنانيين لإعادة الثقة بدولتهم ومستقبلهم القاتم عبر التجديد للطبقة السياسية عينها، التي أفقرت البلد وجوعت أهله وحرمت أولاده من العلم والطبابة وأبسط مقومات العيش الكريم. ففي كل دائرة من الدوائر الانتخابية يوجد جيل شاب يمتلك القدرات والمؤهلات العلمية والمهنية للحكم الرشيد وبناء مؤسسات منتجة وفاعلة تنتشل اللبنانيين من مأساتهم الحالية، أو أقله تضع حدوداً لغي سلطتهم الفاجرة.
في كل دائرة ستجد الفئة الصامتة أشخاصاً أكفاء مقابل نواب لم يمتهنوا إلا التحريض وإشعال الفتن أو التهرب من المسؤولية وإلقائها على الآخرين، ثم ترونهم كلهم مجتمعين بدهاء، يوزعون الأدوار بينهم، ليس لخدمة الصالح العام وبناء دولة ومؤسسات، بل لشدّ عصب طائفي أو مذهبي وتكريس سيطرتهم وزبائنيتهم.
قلب الموازين
على اللبنانيين الصامتين المشاركة لأن في كل دائرة انتخابية يوجد أشخاص يشكلون طرفاً نقيضاً لكل الموبقات التي أدت إلى الانهيار الحالي الذي نعيشه، وبتنا نتسول الدواء وأقساط المدارس وانتظار مكرمة إعاشات الأرز والسكر.
نعم، تستطيع هذه الأغلبية قلب الموازين وإثبات عكس ما قاله أحد الزعماء لأحد سفراء الدول الكبيرة: “كلما جاع اللبناني يرخص ثمنه، وبدل المئة دولار يُشترى صوته بكيس أرز، فطمئنوا دولكم أننا نمسك بزمام الأمور”. رد فاجر على سفير دولة عظمى استفظع كيف يتعامل “المسؤولون” مع اللبنانيين من دون أي خوف من المساءلة.
جيل العيش المشترك
على الفئة الصامتة المشاركة والمحاسبة لأنها في كل دائرة تجد جيلاً شاباً متمرساً في خدمة الشأن العام، ومثقفون/ات وأطباء ومحامون/يات ومهندسون/ات وموظفون/ات ورجال وسيدات أعمال ناجحون/ات وناشطون يمتلكون الخبرة والإرادة لتغيير البلد وتحسين شؤون المواطنين. يجدون جيلاً جديداً أهلاً لثقتهم مقابل نواب مجربين منذ ما لا يقل عن ثلاثين عاماً.
ففي كل دائرة يجد اللبنانيون جيلاً يصالحهم عن حق معاً، للعيش المشترك الحقيقي، لا نواب الشعارات الفارغة بما تنطوي من ممارسات التحريض المدلس بالغبن حيناً والتشاوف والاستقواء حينا آخر، يشد اللبنانيين إلى قوقعتهم والخوف من الآخر.
في كل دائرة سيجدون جيلاً يشبه المربي علي خليفة (دائرة الجنوب الثانية) بخطابه المدني والمواطني المنفتح على الآخر، مقابل نواب الغلبة، الذين لا يخافون من حصده مقعد نيابي مستحيل، بل من انتشار الخطاب المواطني، نقيض إبقاء اللبنانيين في مزرعة الطوائف ومجرد زبائن وحطباً لحروبهم الدنيئة.
جيل القدرات لا الشعارات
على اللبنانيين الاقتراع لأن في كل دائرة يجدون طبيباً مبدعاً ومستثمراً في أرضه مثل عيد عازار (زحلة). فمن ملف لقاحات كورونا، في زمن انهيار القطاع الصحي، الذي أنقذه بوضع استراتيجيات لإدارته بنجاح ومهنية عالية، يمكن ائتمانه على إدارة صحة اللبنانيين ولا سيما ملف أدوية السرطان المفقودة ومعاناة مرضاه. فهو الطبيب الذائع الصيت باختصاصه في الأمراض الجرثومية، والمستثمر في أرضه مثله مثل طبيب العيون الياس جرادي (مرشح الدائرة الثالثة في الجنوب)، في سبيل التنمية المحلية، محولاً أرضاً جبلية جرداء في زحلة إلى مشروع لإنتاج نبيذ يصدر إلى الخارج. فعوضاً عن نواب المرامل والكسارات، التي يمتهنها نواب البقاع، التي تدمر البيئة، لنفخ جيبوهم، أحيا عازار منطقة الرمتانية المنسية مؤسساً مشروع تنمية محلية مستدامة، ليس حباً فلوكلورياً بالوطن وشعاراته الفارغة، بل إيماناً بأن لبنان فيه إمكانيات لاستثمارات جيدة، تجمع التراث ومهنة أجداده بالعلم الحديث وتقدم منتجات بجودة عالية تصدر إلى دول كثيرة بما فيها بلد النبيذ فرنسا.
سرقة أموال المودعين
يقترعون لأن في كل دائرة يجدون المحامي فراس حمدان (حاصبيا) يدافع عن حقوق المواطنين والمودعين المسلوبة أموالهم في المصارف مقابل مصرفي شرس سرق أموال اللبنانيين وتجرأ على الترشح أيضاً للتمثيل بهم أكثر وأكثر. أو يجدون مصرفياً آخر يدعم لوائح أقرانه لشراء ذممهم في التشريع وعدم تحميل المصارف تبعات ما ارتكبوه. ومقابل حمدان وأقرانه سيجدون مصرفيين ينفقون ملايين الدولارات على ترشيحاتهم أو دعم لوائح أقرانهم ولا يريدون إعادة قرش من أموال المودعين، بل إبقاء اللبنانيين جيوشاً تتسول تعب عمرها على أبواب مصارفهم.
تدمير التعليم
ويقترعون أيضاً، لأن في كل دائرة يجدون أيضاً المحامي الشريف سليمان (بعلبك-الهرمل) ليس الناشط ضد كل فساد في صناديق الهدر والوزارات فحسب، بل المثابر للدفاع عن أهالي الطلاب في المدارس الخاصة، عضواً في لجان أهلها بمواجهة جشع إدارات المدارس ونواب التشريع لسحق جميع اللبنانيين بأقساط المدارس الخاصة الفلكية، وتدمير القطاع الرسمي، وتحويل العلم حكراً على قلة قليلة من اللبنانيين.
ولأن في دائرة يجدون أساتذة جامعيين ورجال أعمال ناجحين مثل مارك ضو أو نجاة صليبا أو حليمة قعقور (الشوف) الشاهدين على دمار قطاع التعليم الجامعي، ولا سيما الجامعة اللبنانية، وضياع العلم على عشرات آلاف الطلاب اللبنانيين. ويجدون أيضاً وأيضاً جيلاً شاباً يشبه رجل القانون والتشريع، الأستاذ الجامعي علي مراد (الجنوب الثالثة). هو المتفوق علماً ومعرفة وثقافة قانونية على نواب التحريض الطائفي والمذهبي لطمس عيون الجنوبيين واللبنانيين جميعاً عن حقوقهم الطبيعية في العيش الكريم، لا العيش أسرى الخطب الهادرة والفارغة، إلا من تخوين الآخر المختلف الطامح والطامع بدولة تليق بأبنائه.
البيئة والعمران
ويقترعون أيضاً لأن في كل دائرة يجدون المرشحة شادن الضعيف (الشمال الثالثة) الناشطة ضد اقطاع تدمير البيئة والمحميات الطبيعية، وهي تقفل بجسدها الهزيل الطريق للدفاع عن محمية إهدن، مقابل نواب تزفيت الغابات والقضاء على البيئة بكل ما يحمله من هدر وفساد وسمسرات.
ولأنه أيضاً وأيضاً يجدون في كل دائرة المهندس إبراهيم منيمة (بيروت الثانية) الطامح إلى تحسين مدينته وشروط العيش فيها مقابل الذين يمتهنون الكرامات ويعيشون على سمسرات محاسيبهم في المشاريع العامة، ويستفيقون لتزفيت حفرة هنا أو هناك قبل كل انتخابات.
ولأنهم في كل دائرة يجدون مهندساً بيئياً مثل زياد ابي شاكر (بيروت الأولى) الذي بقدراته الذاتية أنجز بيئياً ما لم تقدم عليه وزارة البيئة والمسؤولين والدولة المنخورة بالفساد. فيكفي النظر من حولنا إلى نفايات المطامر وسمسرات المحارق والتلزيمات، التي يحولها أبي شاكر إلى ثروة وطنية، تعود لتتكدس في الطرقات.
نعم، في كل دائرة ستجد هذه الفئة الصامتة عشرات المرشحين والمرشحات الذين يصعب تعدادهم، هم/نّ أهلٌ لمنحهم الثقة وتمثيلهم، في برلمان تحول طوال السنوات الفائتة إلى “محاكاة” خطب التهويل ومحمية تشريع الخواء.
ch23