بعد التوصل الى اتفاق أولي مع صندوق النقد الدولي على الخطوط العريضة التي تمهّد لإقرار اتفاق نهائي لحل برنامج تمويلي يستفيد منه لبنان على 4 سنوات بقيمة 3 مليارات دولار، وضع الفريق اللبناني المفاوض برئاسة نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي لمساته الاخيرة على خطة التعافي المالي والاقتصادي التي تؤكد المعلومات أن خبراء صندوق النقد الدولي اطلعوا على تفاصيلها ووافقوا عليها، على أن تأتي الإجراءات الإصلاحية الأساسية التي لحظتها ضمن الاتفاق النهائي مع الصندوق.
إقرار خطة التعافي المالي والاقتصادي شرط أساسي يفرضه صندوق النقد الدولي قبل التوقيع على الاتفاق النهائي مع لبنان بالتوازي مع إقرار موازنة عام 2022 وبعض التشريعات الاساسية الالزامية لتطبيق أي اتفاق مع الصندوق والتزام لبنان تطبيق بنود خطة التعافي التي وضعتها الحكومة. فأحد الشروط المسبقة الاساسية لأي اتفاق مع صندوق النقد الدولي هو تعديل قانون رفع السرية المصرفية وإقرار قانون الكابيتال كونترول. واستناداً الى التعديلات الى وردت في مشروع القانون، حُذفت عبارة “إطلاقاً” التي كانت منسوبة لواجب كتمان سر تجاه أسماء الزبائن وأموالهم. وبموجب التعديل، على المصارف تسليم المعلومات هذه إذا تلقت طلباً من السلطات القضائية في دعاوى التحقيق في جرائم الفساد والجرائم المالية، أو بطلب من هيئة التحقيق الخاصة أو الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أو لجنة الرقابة على المصارف أو المؤسسة الوطنية لضمان الودائع في لبنان أو مصرف لبنان أو السلطات الضريبية المختصة. كذلك يحظر التعديل على المصارف فتح حسابات ودائع “مرقمة” لا يعرف أصحابها غير مديري المصرف أو وكلائهم، كما يفرض تحويل الحسابات المرقمة والخزائن الحديدية المؤجّرة الى حسابات عادية وخزائن تطبّق عليها كل متطلبات مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب. هذا ويسمح التعديل المطروح بإلقاء الحجز على الاموال والموجودات في المصارف في بعض الحالات.
في هذا السياق، يعتبر رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية المحامي بول مرقص أن مشروع قانون تعديل قانون سرية المصارف وقانون الاجراءات الضريبية وما يرتبط بهما، يتبع الروحية عينها التي تتّجه إليها الحكومة، من حيث مقاربة الوضع الاقتصادي والمالي والمصرفي، وهي مقاربة إلغائية إطلاقيّة وتقييدية وإفلاسية، على غرار مشروع قانون الكابيتال كونترول والمذكرة التي وزّعتها على الوزراء حول السياسات الاقتصادية والمالية، عوض ابتكار أفكار خلّاقة مبدعة. فبالنسبة لمشروع قانون تعديل قانون سرية المصارف وقانون الاجراءات الضريبية وملحقاتهما، ينطلق النص وكأنه ليس هنالك قانون رقمه 44 صادر عام 2015 وفيه ترفع السرية المصرفية عند الاشتباه جدياً في جرائم الفساد والتهرب الضريبي وسائر الجرائم المالية التي جاء المشروع لينصّ عليها. والأخطر من ذلك، أن كشف السرية يمكن أن يحصل بمقتضى المشروع المقترح من قبل موظّف المالية أو قضاة النيابات العامة حتى الاستئنافية منها وقضاة التحقيق دونما معايير واضحة وضامنة للخصوصية. ويشير مرقص الى أن المصارف أصبحت ملزمة من خلال هذا القانون بأن تقدّم تقاريرها الى وزارة المال متسائلاً عن حقوق المودعين والضمانات التي يمكن أن يحصلوا عليها تجاه الاجراءات التعسفية، وماذا عن وسائل التظلم في حال إساءة استعمال المعلومات الخاصة أو حتى إساءة طلب هذه المعلومات. وبحسب مشروع تعديل قانون سرية المصارف وقانون الاجراءات الضريبية وسواهما، لن تبقى سرية مصرفية بوجه القضاء أو المالية، كما سيصبح بالإمكان الحجز على الحسابات المصرفية بقرار قضائي أو حتى إداري دون اتّضاح وسائل المراجعة، فوداعاً للسرية المصرفية بحجة مكافحة التهرب الضريبي والجرائم المالية، وهذا ما يعتبر أمراً خطيراً، مطالباً بضرورة وضع معايير ضابطة وناظمة أكثر وضوحاً وتحديداً.
ويضيف مرقص أن هذا المشروع كان يمكن أن يبحث، أو يصلح، لو كانت في لبنان “دولة حقوق” توحي بالثقة وتبعث الطمأنينة في نفوس المواطنين والمكلّفين وقوانين تحمي الخصوصية حتى يفرجوا عن تفاصيل حساباتهم.
النهار – موريس متى