المخزون الاستراتيجي للقمح في لبنان والمهدّد منذ فقدانه للاهراءات في مرفأ بيروت، بات في خطر أكبر مع استمرار فصول الحرب الدائرة في أوكرانيا،
وبات مخزون المطاحن يتضاءل يومًا بعد آخر، حتى وصل الأمر إلى مرحلة لا يكفي سوى لأيّام، والمعروف أنّ أفران الخبز العربي تستلم الطحين من المطاحن بحسب إيصالات بكميّات تحددها وزارة الاقتصاد.
وفي وقت يجمع غالبية المعنيين بالموضوع على أنّ هناك نقصًا في الكميات المخصصة للخبز، نقلت صحيفة “الجمهورية” عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قوله إنّ “الكميات متوافرة لكن هناك احتكار لهذه المادة الحيوية”،
ووسط هذا التضارب في المعطيات، لا يتبادر إلى ذهن اللبناني سوى تجربة رفع الدعم عن المحروقات، التي بدأت إرهاصاتها بطوابير أمام المحطات، واستمرت الأزمة بين مد وجزر إلى أن رفعت الدولة يدها عن دعم هذا القطاع.
فهل يكون مصير رغيف الخبز مثل ما سبقه من لوازم عيش اللبناني، وبالتالي “يضيع دمه بين القبائل”، أم أنّ هناك حلولًا في الأفق قد تمنع انهيار آخر خطوط الدفاع للفقراء في هذا البلد؟.
ففي حديث لموقع “العهد” الإخباري، يشير المدير العام للحبوب والشمندر السكري بوزارة الاقتصاد، جريس برباري، إلى أنّه لم يعرف ما هي معطيات رئيس الحكومة بعد تصريحه عن وجود احتكار بموضوع القمح، ولا يعلم إنْ كان هناك معلومات أمنية أو أجهزة معينة قد أخبرت رئيس الحكومة بهذا الأمر، وهو يريد التأكد من هذا الموضوع.
ويلفت برباري إلى أنّ كميات القمح الموجودة بشكل عام في لبنان تكفي من 15 إلى 20 يومًا، إلاّ أنّ المشكلة هي أنّ الكمية الإجمالية للقمح غير موزّعة بشكل متساوٍ بين المطاحن، فهناك من نفد ما لديه من القمح، وهناك من لديه كمية تكفي لمدة شهر،
وهذا لا يعني أنّه يكفي لكلّ أنحاء البلاد، (فمن لديه كميّة معيّنة في الشمال لا يمكنه أن يعطي المواطنين في الجنوب أو في البقاع.. على سبيل المثال)، وبالتالي لا يمكن تلبية الطلب الإجمالي، وبالتالي تكتفي المطاحن بتلبية نسبة معينة، حتى تنقضي هذه الأزمة، إضافة إلى أنّ المطاحن لا تستطيع رفع طاقتها الإنتاجية بشكلٍ كبيرٍ يصل إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف، وهي لا تستطيع أن تعطي كميّات كبيرة.
ويؤكد برباري أنّ عقود شراء القمح تسير بشكل طبيعي، فتحميل البواخر جارٍ، والإجراءات ستحتاج إلى عدّة أيام للتفريغ وللفحص، “وخلال أسبوع من المفترض أن تتوضح الصورة ونعرف ماذا بقي لدينا من القمح، وما الكميّة المستلمة، وما هي الكمية القادمة على الطريق”.
ويلفت برباري إلى أنّه طالما أنّ الدولة مستمرّة بسياسة الدعم للطحين، طالما أنّ هناك تهريب وسرقة وهناك بعض المستفيدين، معتبرًا أنّه ينبغي توقّف هذا الدعم لكن أن يكون بدراسة، “لأنّ هذا قد ينتج سوقًا سوداء في حال توقّف الدعم، وإنْ بقي الدعم متاحًا للخبز العربي فقد يذهب الطحين المدعوم إلى أفران المناقيش”، متسائلًا “ما العمل في هذه الحالة، وبالتالي يرتفع الطلب ويصبح سعر المنقوشة 50 ألف ليرة لبنانية؟”.
وحول مدى قدرة استمرار مصرف لبنان بسياسة دعم الرغيف، يشير برباري إلى أنّ المصرف المركزي كان يدفع من أموال المودعين في المصارف، مشكّكًا إنْ كان هذا المصرف قادرًا على الاستمرار في الدعم، ويلفت إلى أنّ على الدولة أن تقرع أبوابًا أخرى لتستدين منها عوضًا عن مصرف لبنان، لأنّه لا يملك المزيد من الأموال.
ولدى سؤاله عن سعر ربطة الخبز في حال رفع الدعم، يجزم برباري إنّه لا يمكن التكهّن بالسعر المرتقب لربطة الخبز، مضيفًا “لا سمح الله إذا رُفِع الدعم فجأة لا أحد يعرف أين سيصبح سعر الخبز”، ومشيرًا إلى ارتفاع أسعار المازوت والقمح في الخارج، ولافتًا إلى أنّ السعر على 1000 دولار لطن المازوت و500 دولار لطن القمح، فقد يكون سعر ربطة الخبز بين 20 و22 وصولًا إلى 25 ألف ليرة لبنانية، لكن إنْ ارتفع الدولار سيرتفع معه سعر الربطة.
كما يشير برباري إلى أنّ جزءًا كبيرًا من الأزمة يفتعلها المواطن، وبدل أن يأخذ حاجته العادية اليومية عند بروز أيّ أزمة، يبدأ بالتهافت على الأفران وشراء كميّات مضاعفة من الخبز، وهذا ما ينعكس انخفاضًا في كميات الطحين المتوفرة، وتنتعش السوق السوداء ويرتفع الدولار.
ويدعو برباري المواطنين لعدم الرعب وعدم الخوف، وعدم شراء كميات كبيرة من الخبز، فمن يحتاج لربطتين ليأخذ ربطة إضافية، لكن لا يعمد إلى شراء عشر ربطات، فهذا لا يبقي شيئًا للغد، وبالتالي تذهب كميات مخزون الطحين، وهذا يوقعنا في أزمة “من أين سنأتي بالطحين؟”.