كتب مروان أسكندر في” النهار”:
الاتفاق المبدئي مع ممثلي صندوق النقد لا يؤدّي الى معالجة أزمة لبنان التي تزداد تعقيداً مع انقضاء كل شهر من هذه السنة.
وإن كان شرط إقرار قانون لضبط التحويلات أحد شروط منح قرض الـ3 مليارات على مدى أربع سنوات أو 46 شهراً فالافضل الابتعاد عن قانون ضبط التحويلات لأن حرية التحويلات المقيدة بالفعل بالممارسة المصرفية إذا هي ألغيت تؤدي الى تماثل شروط العمل المصرفي ما بين سوريا ولبنان بعدما كانت حرية التحويلات سبباً رئيسياً في اكتساب لبنان طاقات سورية متميزة ورؤوس أموال كبيرة.
ميزة الاقتصاد اللبناني كانت الصفة الرئيسية لنجاحه، والتخلي عنها كارثي، ولو القول لفترة محددة ولم نشهد قانوناً وضع لفترة محددة لم يستمر مفعوله بإهمال إعادة صياغة القوانين حتى تاريخه. ولا بد من تحليل أسباب اختيار الابتعاد عن ضبط التحويلات وحتى الاستغناء عن تسهيلات صندوق النقد التي مبدئياً ستوازي 750 مليون دولار سنوياً على مدى أربع سنوات، وهذا المبلغ يقل عن توقع زيادة التحويلات الى لبنان من قبل اللبنانيين الذين قصدوا بلدان الخليج العربي وأفريقيا بحثاً عن العمل، وقد بلغ عدد هؤلاء خلال سنتين 150 ألفاً وبالتالي أصبح عدد اللبنانيين العاملين في بلدان الاغتراب 450-500 ألف لبناني، وهذا العدد يتجاوز عدد القوة العاملة في لبنان اليوم.
كانت التحويلات الرسمية سابقاً توازي 7 مليارات دولار وفي سنوات البحبوبة في البلدان المضيفة بلغت التحويلات 9.2 مليارات دولار، وفي الواقع أكثر من ذلك لأن التحويلات عبر المصارف لا تشمل ما يحمله البعض نقداً، وتعود الذاكرة لسقوط طائرة متوجهة من شرق أفريقيا الى لبنان التي سقطت في البحر وتبيّن أن أحد ركابها كان ينقل معه 25 مليون دولار تناتشها أهالي الشواطئ المحيطة بسقوط الطائرة.
تصوير الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد وكأنه انتصار، والفرح بقرب اللقاء مع رئيسة الصندوق، مظاهر واضحة على موقف لبنان الضعيف؛ فرئيسة الصندوق أعلنت في مؤتمر عالمي قبل سنتين استعداد الصندوق للمساهمة في إنقاذ لبنان شرط أن يستيقظ فريق الحكم الى شروط الإدارة الحكومية والابتعاد عن وسائل وممارسات اكتساب العمولات على استيراد النفط، وبعد حكومة حسان دياب وتولّي راوول نعمة وزارة الاقتصاد أصبحنا نبدد أموال الدعم على دعم عدد من المنتجات الغذائية المتوافرة أساساً من الإنتاج الداخلي.
مؤشرات غياب الحكم عن الاهتمام بمحاربة الفساد وضبط الهدر تجلت على أكثر من صعيد وما زالت الادارة اللبنانية سواء من قبل مجلس الوزراء او مجلس النواب او رئاسة الجمهورية غائبة عن الاصلاح وإن كان الامر غير ذلك فكيف نفسّر استفراد وزير الطاقة بمسؤولية مفاوضة الشركات المهتمة بإنجاز معامل جديدة لإنتاج الطاقة في لبنان.
الاهتمام الدولي بإصلاح وزارة الطاقة وتأمين الكهرباء أعلن عنه على أنه الشرط الأساسي لمساعدة لبنان سواء من البنك المركزي الاوروبي، أو البنك الدولي والمؤسسات الاقليمية التي كانت عرضت بشروط مغرية أن تنجز تجهيز الإنتاج الكهربائي وتحسين مواصفاته مراراً وتكراراً، وعند كل عرض كان العرض يلغى لتصلب وزراء الطاقة اللبنانيين بحصر مسؤولية تحديد مواصفات معامل الإنتاج واستيراد المشتقات بهم، وهكذا قضينا 22 عاماً تحت رحمة ممثلي التيار الوطني الحر وحلفائهم من الممانعين فأغرقوا لبنان بالديون وكل ما أفادونا عنه أن الآخرين حالوا دون تمكينهم من العمل، واليوم بعد فشل هذا الفريق خلال 22 عاماً من التسلط على وزارة الطاقة يدّعون أنهم تعرقلت مساعيهم، والحمد لله أن هنالك مسؤولين غير لبنانيين معنيين بمكافحة الفساد يستطيعون توضيح مواقف وزراء الطاقة اللبنانيين الذين حالوا دون إنجاز ميغاواط واحد من التجهيز الحديث، ومن أهم من يشهد على قلة تعاون وزراء الطاقة عبد اللطيف الحمد، وزير مالية الكويت سابقاً ورئيس بنك كويتي مهتم بتمويل الإعمار. ولا ننسى تعمد وزير غير تقني إفادة أنجيلا ميركل، أهم زعيمة دولة أوروبية صناعية، أن المهنيين اللبنانيين أقدر على معالجة أوضاع الكهرباء من الفنيين الالمان الذين كانوا في طريق عودتهم من مصر حيث أنجزوا 14 ألف ميغاواط من التجهيزات الحديثة لإنتاج الكهرباء.
ونذكّر الحكم الرشيد بأن الرئيس سعد الحريري استطاع العمل على استكمال التزامات من الهيئات الدولية والاقليمية بتأمين 11.8 مليار دولار لإنجاز محطات الكهرباء، وشبكة الإمدادات والطرقات ووسائل الصرف الصحي والنقل شرط توجه الحكم نحو اعتماد وسائل عمل شفافة والتوجه نحو خصخصة الكهرباء، وقد وضعت في وجه سعد الحريري كافة الصعوبات والانتقادات وحتى مساء تكليفه برئاسة الوزراء نتيجة استفتاء النواب أقدم الرئيس عون على التنديد بالرجل الذي استمر في محاولاته حتى 17 تشرين الاول 2019 حينما صب اللبنانيون من مختلف الفئات الى إظهار تبرّمهم بالحكم والحكام وكانت النتيجة تكليف حسان دياب بتأليف وزارة، وهذا الرجل بعد شهر من تولّيه الرئاسة أعلن أن حكومته حققت 97% من القضايا التي تؤخر الإنجاز. وبالطبع شهدنا وشاهدنا إنجازات تلك الوزارة وقد حاول رئيسها بعد فشلها الحصول على وظيفة في قطر لأن الجامعة الاميركية كانت قد سرّحته، واليوم نشهد تولّي وزير الطاقة التفاوض هو دون هيئات الإشراف المقررة على التعاقد مع شركتين لإنجاز معملين، حصل لبنان على استعداد لإنجازهما منذ عام 2013 ومن بعد في شباط 2019 وبقي الاعتماد على أهل الحكم والمقربين منهم، وعسى أن نفهم أن شرط تقييد التحويلات سيؤدّي الى إفقار لبنان وتهديم مستقبله.