بين اعتماد سياسة التقشف والتقنين في شراء الخضار، أو مقاطعتها نهائياً واقتصار مائدة رمضان على حواضر البيت، تسعى أغلب الأسر اللبنانية إلى تدبير شؤونها في هذا الشهر الكريم، فيما لجأت أسر أخرى إلى الجمعيات الخيرية بهدف مساعدتها على تحمل أعباء تكاليف شهر رمضان.
لم تتمكن حتى الأن السيدة ليلى الأحمد من تحضير طبق “الفتوش” الخاص بشهر رمضان. فعلى الرغم من مرور سبعة أيام على بدء رمضان، إلا أن مائدتها لا تتضمن أكثر من الطبق الرئيسي، وبمكونات بسيطة جداً.
رمضان الأصعب
يطل رمضان هذا العام على اللبنانيين وسط فجوة كبيرة بين أسعار السلع الأساسية التي ارتفعت إلى مستويات ضخمة وبين تدني قيمة الأجور، وهو ما بدل الكثير من عادات اللبنانيين. إذ لم تتمكن أغلب الأسر من تحضير مستلزمات رمضان كما اعتادت منذ سنوات، وحتى مع بداية الأزمة الاقتصادية عام 2019، لم تكن موائد شريحة كبيرة من اللبنانيين مقتصرة فقط على طبق واحد، حسب ما تؤكده ليلى الأحمد. وتقول لـ”المدن” اختلفت طبيعة المائدة الرمضانية هذا العام مقارنة مع العام السابق، إذ اقتصرت حالياً على وجبة بسيطة، فغابت العناصر الرمضانية من المعجنات، والمقبلات، التي كانت جزءاً أساسياً عند الإفطار”. وتضيف “استبدلت طبق الفتوش بنوع بسيط من السلطة، مكونة من الخيار والبندورة بعدما ارتفع سعر الخس إلى 40 ألف ليرة وضمة الفجل إلى 22 ألفاً”. وقد عمد بعض الباعة إلى بيع الفجل بالحبة وليس كباقة، وكذلك باقي الخضر.
يتقاضى زوج ليلى الأحمد نحو مليوني ليرة تقريباً، وهو مبلغ حسب ما تؤكده لا يكفي لتأمين المستلزمات الأساسية.
قد تكون السيدة ليلى الأحمد محظوظة لأنها تمكنت من تأمين طبقها الرمضاني مقارنة مع السيدة “أم هادي” الذي يعمل زوجها “مياوماً” في إحدى المؤسسات ويتقاضى 30 ألف ليرة يومياً. تصف هذا العام بالأسوأ. وتقول: “في السنوات السابقة، كنت أتفهم ارتفاع الأسعار مع بداية الشهر الكريم، وكنا رغم ذلك نستطيع شراء بعض المستلزمات، فيما هذا العام، لا يمكن شراء أي شيء”. وتؤكد بأنها لم تدخل اللحوم إلى بيتها منذ أكثر من 6 أشهر، بعدما وصل سعر الكيلوغرام من اللحم إلى 230 ألف ليرة”. وتقول: “في الكثير من الأحيان، لا نجد الخبز، نعتمد في غذائنا على البطاطا والبيض، وبعض المساعدات التي تقدمها الجمعيات الأهلية”.
وتضيف “حتى وجبة السحور، لم أعد قادرة على تأمينها، بعدما وصل سعر الكيلوغرام من اللبنة إلى أكثر من 140 ألف ليرة، والجبن ما بين 70 و100 ألف ليرة”.
خيارات ضيقة
ضاقت الخيارات لدى الصائمين. البعض فضل الاعتماد على صنف واحد من حواضر البيت، فيما آخرون فضلوا الشراء بالحبة الواحدة، وهي بالنسبة لهم عادة جديدة، لم يعتد عليها اللبنانيون سابقاً.
فقد فضلت فاطمة الخليل، وهي سيدة ستينية، اعتماد مبدأ التقنين في رمضان، من خلال شراء المنتجات الزراعية بالحبة الواحدة. وتقول: “بدلاً من شراء كيلوغرام من الخيار، أو الفليفلة، قمت بشراء 3 حبات، وتقسيمها على عدة وجبات، انطلاقاً من مبدأ “القليل أفضل من لاشيء”. تعيش الخليل مع ابنها الذي يتقاضى تقريبا 4 ملايين ليرة، لكنه عاجز عن تأمين كافة المستلزمات، ولذا اعتمدت مبدأ الشراء بالحبة، واقتصار المائدة على الأساسيات. أما بشأن الحلويات الرمضانية، فقد غابت كلياً عن مائدتها، لأن أسعارها خيالية جداً، فقد وصل سعر 4 حبات من حلاوة الجبن إلى 75 ألف ليرة، فيما سعر الحبة الواحدة من الشعبيات ناهز 18 ألف ليرة.
حالة التقشف هذه، لا ينفيها رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان حويك، ويؤكد أن سعر طبق الفتوش في لبنان بات فعلاً من الأطباق التي لا يمكن تقديمها إلا على سفرة المقتدرين، بعدما أصبح سعره خيالياً.
حسب حويك، فإن ارتفاع أسعار الخضر في الفترة الماضية والذي تزامن مع شهر رمضان المبارك، يعود إلى تراجع الإنتاج الزراعي، بسبب ارتفاع الكلفة، إضافة إلى عوامل المناخ، وموجات الصقيع التي ضربت لبنان، وكبدت المزارعين خسائر.
ارتفاع بلا مبرر
شهدت الأسعار بين العام 2021 و2022 ارتفاعات غير مبررة. في العام 2021، لم تكن تكلفة طبق الفتوش على سبيل المثال تتخطى 20 ألف ليرة، فيما أسعار اللحوم لم تكن قد تخطت حاجز 75 إلى 100 ألف ليرة، أما في العام 2020، فلم يكن طبق الفتوش يكلف أكثر من 10 إلى 12 ألف ليرة، وأسعار اللحوم لم تتخطَ حاجز 35 ألف ليرة.
واليوم تصل تكلفة طبق الفتوش إلى أكثر من 60 ألف ليرة، وسعر الكيلوغرام من اللحوم ناهز 200 ألف ليرة، أي أن سعر طبق الفتوش تضخم بين العام 2020 و2022 بما يناهز 500 بالمئة، وأسعار اللحوم خلال الفترة نفسها تضخمت 570 في المئة.
يعزو نقيب اللحوم المستوردة غابي دكرمجيان، ارتفاع الأسعار منذ العام 2020 حتى اليوم، إلى انخفاض استيراد اللحوم. ويقول لـ”المدن”: “عوامل عديدة، أدت إلى هذه الارتفاعات، منها توقف كبار تجار المواشي عن الاستيراد بسبب التلاعب في سعر الصرف، وعوامل تتعلق بضعف الطلب بسبب تدني القيمة الشرائية للبنانيين”. ويضيف: “زادت الأجواء الجيوسياسية العالمية، وتداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية من حدة الأزمة في لبنان”.