وداعاً للتغيير. أصبح هذا الامر واقعاً. فكما أنّ الأحزاب تريد تناتش السلطة والمقاعد النيابيّة في ما بينها، هكذا فعلت قوى التغيير. فلم يكن غريباً إنسحاب بعض وجوه المجتمع المدنيّ من المعركة الانتخابيّة قبل إقفال الباب أمام تسجيل اللوائح. فكلّ من يُسوّق نفسه على أنّه من قوى “17 تشرين” أراد تشكيل لائحة. وبعد إعلان وزارة الداخليّة عن اللوائح النهائيّة التي ستخوض الانتخابات، بدا واضحاً الاختلاف الكبير الذي حال دون إتّفاق مكوّنات المجتمع المدنيّ لخوض إستحقاق الخامس عشر من أيار. وبقي الثابت الوحيد أنّ لا تغيير في مجلس النواب، وخذل اللبنانيون المجتمع الدولي الذي كان يتطلّع إلى تغييرٍ جدّي في الوجوه السياسيّة التقليديّة. وقدّمت “الثورة” فوزاً مضموناً لأحزاب السلطة مرّة جديدة بخوضها الانتخابات بعشرات اللوائح، وسط خرقٍ يُعدّ على الاصابع في دوائر قليلة.
ويقول مراقبون إنّ من تداعيات ما حصل على صعيد لوائح المجتمع المدنيّ، عدم مشاركة أغلبيّة المواطنين الذين كانوا يأملون بإحداث فرقٍ في الانتخابات. ولعلّ أبرز شريحة هي التي كانت لا تُصوّت بتاتاً، بالاضافة إلى شريحة كبيرة من المغتربين. ويُشير المراقبون إلى أنّ إنخفاض نسب التصويت يُريح الأحزاب التي تقوم بتجييش محازبيها، وأرقام ناخبيها معلومة سلفاً. فأمام إرتفاع نسب التصويت لدى القوى السياسيّة، وإنخفاضها لدى المجتمع المدنيّ، فان الرابح طبعاَ هي الأحزاب.
وفي الاطار عينه، أصبحت إمكانيّة الخرق متدنيّة جدّاً. فأصوات قوى “17 تشرين” ستتشتت، وسيناريو العام 2018، سيتكرّر حكماً. ويلفت مراقبون إلى أنّ المجتمع المدنيّ لم يتعلّم من الانتخابات السابقة، ولم يأخذ بالحسبان نتائجها وأرقامها، ولم ينتبه إلى أهميّة توحيد لوائحه لحصد الحواصل في مختلف الدوائر. ففي عمليّة حسابيّة بسيطة في دائرة بيروت الثانيّة على سبيل المثال، نالت لوائح المعارضة في الـ2018، مجموعةً حوالي 9500 صوتٍ. ومع عزوف “المستقبل”، وأرجحيّة تدنّي نسبة الاقتراع، كانت هذه القوى قريبة من تحقيق حاصلٍ إنتخابيّ (الحاصل كان حوالي 12500 في الانتخابات الماضيّة). أمّا الان، فلوائحها 5، بمواجهة لائحة “الثنائيّ الشيعيّ” التي تسعى لملء الفراغ السنّي من جهة، واللائحة التي يدعمها الرئيس فؤاد السنيورة للمحافظة على مقاعد “المستقبل” من جهة ثانيّة. بالاضافة إلى لائحة النائب فؤاد مخزومي ولائحة نبيل بدر وعمر الحوت. ويسأل المراقبون، ماذا يبقى للمجتمع المدنيّ ليفوز به في هذه الدائرة التي كانت ستعطيه نائباً محسوماً لو وحّد جهوده وأهدافه؟
كذلك، فإنّ المشهد في دائرتي الشمال الاولى والثانيّة أسوأ بكثير. ويُذكّر مراقبون من أنّ هاتين الدائرتين كانتا شريان التظاهرات في ساحة النور في “عروسة الثورة” طرابلس. فكيف ستُحقّق قوى التغيير الخرق، والاستفادة من تدنيّ نسبة التصويت، وهي تخوض الانتخابات في عكار في 4 لوائح، وفي دائرة الشمال الاولى بـ7؟
توازياً، كان التعويل كبير أن تنطلق “الثورة” من دائرة بيروت الاولى، وتفوز بحاصلين مضمونين لها. ورغم نجاح النائبة المستقيلة بولا يعقوبيان بضمّ المرشّح زياد العبس للائحتها، فإنّ العقدة لا تزال بخوض المجتمع المدنيّ الانتخابات بثلاث لوائح، في إحداها شربل نحاس. ما يزيد من تشرذم الاصوات، وزيادة فرص الأحزاب بالفوز بـ7 مقاعد من أصل 8، وخصوصاً إنّ لم تستقطب لائحة “لوطني” أغلبيّة الاصوات، ما سيُفقدها حكماً مقعد الاقليّات الذي كان بمتناولها.
وأيضاً، تجدر الاشارة إلى أنّ المقعد الماروني الثالث في بعبدا، كان من حصة المجتمع المدنيّ. ومع تسجيل 5 لوائح له، وضمان مرشّحي “الثنائيّ الشيعيّ” للمقعدين الشيعيين، وتقاسم “القوات اللبنانيّة” و”التيّار الوطنيّ الحرّ” لمقعد مارونيٍّ، وفوز النائب هادي أبو الحسن مجدّداً بالمقعد الدرزي عن الحزب “التقدمي الاشتراكيّ”، يُرجحّ مراقبون أنّ يذهب المقعد المارونيّ الثالث لـ”الوطنيّ الحرّ” بسبب أرجحيّة الكسر، أو للائحة نعيم عون – خليل الحلو التي تدعمها “الكتائب”، لعدم تمكّن قوى التغيير من الوصول لحاصلٍ.
وعليه، هذه محصّلة في بعض الدوائر عما سيحدث في الانتخابات المقبلة. استفادت الاحزاب من خلافات المجتمع المدنيّ مجدّداً، والمعركة الانتخابيّة ستكون سهلة بالنسبة لها. فأغلبيّة الوجوه النيابيّة ستتمثل مرّة جديدة في مجلس النواب. إذ أنّ تأمين قوى “17 تشرين” للحواصل أصبح صعباً. والجدير بالذكر، أنّ هناك لوائح تدور في فلك المعارضة، تدعمها أحزاب، ستستفيد أيضاً من تشتّت أصوات المجتمع المدنيّ، مستفيدة من رفع حاصل لائحتها بسبب أصوات قوى التغيير، وانخفاض نسبة الاقتراع. لكّنها ستُحقّق الفوز إنطلاقاً من قواعدها الشعبيّة، التي ستعطي مرشّحيها أو المستقلّين الذين تدعمهم الأصوات التفضيليّة.
Lebanon24