كل هذه المبادئ البديهيّة تجاوزتها القاضية غادة عون، بحضورها الندوة الأخيرة التي عقدت في ملحق مجلس الشيوخ الفرنسي، بوصفها بطلة من أبطال “مكافحة الفساد في لبنان”، الذي عملوا على “مساندة صغار المدخرين في لبنان”، في إشارة إلى الملاحقات القضائيّة التي تقوم بها في ملفي حاكم مصرف لبنان والمصارف التجاريّة. أمّا المثير للاستغراب، فهو أن تشارك غادة عون في تلك العراضة الإعلاميّة، إلى جانب مرشّح للانتخابات النيابيّة مثل عمر حرفوش، ما حوّل مشاركتها إلى دعاية انتخابيّة غير مفهومة. كما كان من المثير للاستغراب أن تقدّم عون تجربتها في “مكافحة الفساد” بحضور جملة من الشخصيات المشبوهة بخلفيّتها ونشاطها المالي.
اجتماع مثير للقلق
ففي الرابع من نيسان، عقدت ندوة في ملحق مجلس الشيوخ الفرنسي ضمت مجموعة من الشخصيات القضائية والسياسية وبعض رجال الأعمال، للخروج بتوصيات حول “تعويض ضحايا الفساد والنزاع المسلح”، لضحايا أوكرانيا بسبب الحرب الروسية، وللبحث في آليات مساندة صغار المدخرين في لبنان. وعلى الرغم من أن العناوين الرئيسية لهذا الاجتماع تبدو إنسانية بامتياز، إلا أنها وبحسب ما ذكرته le Monde Afrique الفرنسية، في تقرير بعنوان “مجلس الشيوخ الفرنسي متورط في الفوضى السياسية المالية اللبنانية”، كانت مدفوعة بدوافع خفية كثيرة. فقد شاركت المدعية العامة اللبنانية غادة عون، في الاجتماع، إلى جانب كل من مرشح للانتخابات النيابية المقبلة عمر حرفوش، والذي تصفه المجلة الفرنسية بالشخصية المثيرة والغريبة، والسيناتور الفرنسية ناتالي غوليه المتورطة بجانب حرفوش في عدة قضايا حساسة للتمويل السياسي، والمحامي الفرنسي البارز، ويليام بوردون الذي يشارك في دعاوى ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، من خلال جمعية خاصة لها “Sherpa“.
وقدمت النائب العام في محكمة استئناف جبل لبنان، غادة عون، نفسها، أمام صحفيي “مجلس الأعيان” الفرنسي، على أنها واحدة من مكافحي الفساد في لبنان، لكن مشاركتها الندوة في مجلس الشيوخ بصحبة عدد قليل من الشخصيات التي تحوم حول اسمها شبهات تتعلق بجرائم مالية، بما في ذلك رجل الأعمال اللبناني والمرشح للانتخابات النيابية، عمر حرفوش، تطرح أكثر من علامة استفهام حول استقلالية القاضية ونزاهتها.
حسب le monde Afrique، عقدت القاضية اجتماعاً مع هذه الشخصيات للبحث في ملفات لا تدخل في نطاق اختصاصها الوظيفي، لا بل سعت أيضاً إلى التفاخر بالتقاط صور فوتوغرافية مع “أصدقائها” حرفوش، والسيناتور غوليه، والمحامي بوردون، وهو ما يتعارض تماماً مع القوانين المرعية في لبنان، ما يضع مصداقية القاضية على المحك.
أضف إلى ذلك، لا تنتهي فصول الفضحية هنا، فقد كانت القاضية عون ضيفة حرفوش في باريس. إذ نشر حرفوش على صفحته الشخصية لموقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” منشوراً يؤكد فيه استضافته القاضية “عون” قائلاً: غادة عون كانت “ضيفتي” في باريس. كما لم يخف حرفوش، أنه كان المنسق الأساسي لهذا الاجتماع في باريس.
غادة عون “وكيل انتخابات”
حرفوش ليس الشخصية المثيرة الوحيدة في هذا الاجتماع، إذ يعد المحامي الفرنسي ويليام بوردون المعروف في فرنسا بمكافحته ضد “المكاسب غير المشروعة” في الغابون والكونغو برازافيل وغينيا الاستوائية، شخصية أخرى، تثير أكثر من علامة استفهام بشأن عمل القاضية. إذ أن المحامي ويليام بوردون، يعتبر أول من بدأ برفع شكاوى ضد حاكم مصرف لبنان، الذي تحقق في قضاياه غادة عون في بيروت، ومن هنا، من الواضح أن المدعية المسؤولة عن ملف قضائي أكثر من حساسة تظهر علانية مع الجزء المدني من الملف الذي تحقق فيه.
وهنا تبرز عدة أسئلة قانونية بالدرجة الأولى، فهل حصلت القاضية غادة عون على تصريح من وزير العدل هنري خوري للسفر إلى باريس للمشاركة في ندوة بمجلس الشيوخ الفرنسي؟ وماهو موقف وزارة العدل من هذه اللقاءات؟ حسب المجلة الفرنسية، حاول طاقمها الوظيفي الاتصال بوزارة العدل، للحصول على إجابات واضحة، لكن الوزارة لم تجب.
بعيداً عن موقف وزارة العدل بشأن اجتماع القاضية عون مع هذه الشخصيات في فرنسا، كيف يمكن تفسير لقاء عقدته المدعية العامة مع إحدى الشخصيات المرشحة للانتخابات؟ ألا يتنافى ذلك مع مبدأ فصل السلطات؟
وأيضاً يطرح سؤال آخر في هذا السياق، هل أن غادة عون تجهل حقيقة، الشبهات التي تدور حول حرفوش، ألم يصل إلى مسامعها، أن دراسة أجراها فريق برنامج Capital de M 6 الفرنسي، في تموز 2006، أظهر فساد حرفوش، خاصة وأن الفريق لم يتمكن من تحديد الأصل الحقيقي لثروة عمر حرفوش، الموصوف بـ”المتأنق اللبناني” و “المليونير المستهتر”.
ملابسات قضائية
حول ملابسات مشاركة غادة عون في هذا المؤتمر الباريسي، صرّح شكري صادر، رئيس مجلس شورى الدولة الأسبق لموقع “آي سي آي بيروت” أنه “ليس من الأخلاقي أن تتم دعوتها من قبل سياسي، وأن تلتقي بالشخص الذي تقدم بشكوى ضد حاكم مصرف لبنان”.
يؤكد شكري صادر أن هذا الأمر لا يمكن تصوره، كما أن مكانة المدعية العامة تمنعها من إلقاء محاضرة عامة حول موضوع له بعد سياسي في نهاية المطاف، حيث ركزت الندوة على الفساد، والذي له بالضرورة تأثير سياسي في السياق الحالي للبنان. فيما رفض مصدر دبلوماسي فرنسي مفوض التعليق على هذا الموضوع.
تسييس القضاء؟
اشتهرت المدعية العامة غادة عون في الأشهر الأخيرة، تحت ستار محاربة الفساد، إذ وجهت إدعاءات بحق رياض سلامة حاكم مصرف لبنان، إضافة إلى ادعاءاتها ضد مصارف لبنانية، والمسؤولين عن الأزمة الحالية وموجة الفساد في البلاد، وعلى الرغم من حصر القاضية غادة عون رموز الفساد بحاكم مصرف لبنان والمصارف اللبنانية، إلا أنها ولأسباب سياسية، تغاضت عن مساءلة السياسيين، المسؤولين على منظومة الفساد التي أدخلت لبنان في أزمة اقتصادية ومعيشة يدفع ثمنها المواطن، إذ تغاضت عون عن استجواب أي شخصية سياسية، أو رموز تابعة لحزب الله، رغم تورطهم بقضايا الفساد.
وجاء الاجتماع الأخير للقاضية عون، مع رجل الأعمال حرفوش، ليؤكد ازدواجية القضاء اللبناني، وتلاعبه بالمعايير القانونية لصالح السلطة السياسية تارة، ولرجال الأعمال طوراً.
من هو عمر حرفوش؟
حسب Monde Afrique سعى حرفوش في العام 2006 إلى الظهور على الشاشات العامة، كأحد المشاهير، إذ التقى مشاهدو قناة TF1 الفرنسية ضمن برنامج واقعي، برجل الأعمال حرفوش للمرة الأولى، ثم سعى بعد ذلك إلى إثارة الرأي العام حوله، من خلال الخلافات التي أثارت الجدل مع بطلة التزلج السابقة مارييل جويتشيل التي تتهمه بالإدلاء بتصريحات عنصرية، ثم ضاعف رجل الأعمال الظهور إعلامياً، بحثاً عن الشهرة. ويثير حرفوش الكثير من علامات الاستفهام، تصفه بعض الصحف، بالشخصية المثيرة للقلق.
أما ناتالي غوليه، فهي نائبة رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والقوات المسلحة ونائبة رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والقوات المسلحة، تشغل أيضاً منصب رئيسة مجموعة الصداقة البرلمانية بين فرنسا ودول الخليج حيث تدافع بحماسة مثيرة للتعجب عن جميع مواقف الدبلوماسية السعودية. كما يثار العديد من علامات الاستفهام، حول علاقة حرفوش تحديداً بـ”غوليه”، إذ هناك تقارير تشير إلى أن الرحلات التي تجريها غوليه إلى خارج باريس، ممولة من حرفوش، وخاصة الرحلات إلى المملكة العربية السعودية، لبنان، وأوزبكستان. في لبنان، زارت غوليه عدة مرات على وجه الخصوص الدائرة الانتخابية الخاصة برجل الأعمال حرفوش.
التفتيش القضائي
على أي حال، بات الملف بأسره بحوزة المجلس التأديبي، بعدما أحال رئيس هيئة التفتيش القضائي بركان سعد القاضية عون إلى المجلس، لكونها لم تأخذ إذناً رسمياً قبل المشاركة في المؤتمر، ناهيك عن إدلائها بشهادات مسيئة ضد قضاة لبنانيين في المؤتمر.
وردًّا على الإحالة، أشارت عون في تصريح تلفزيوني، إلى أنها تفاجأت بالإحالة إلى المجلس التأديبي بسبب السفر إلى فرنسا، خصوصًا “أنّني كنت سبق وتقدّمت بإذن سفر من وزير العدل، إضافةً إلى اتصالي به”، لافتةً إلى “أنّني أنتظر ما ستؤول إليه الأمور في هذا الإجراء القضائي، أمّا الملفّات الّتي أتابعها فسأستمرّ بها ولن أتخاذل، والمحاولات بحقّي سأواجهها بقوّة الحجّة والقانون والعدل”. مع العلم أن المصادر القضائيّة أشارت إلى أن عون لم تستحصل على إذن خطّي ورسمي من الوزير قبل المشاركة في المؤتمر، بل اقتصر اتصالها بالوزير على رسالة نصيّة عبر تطبيق “واتساب”!
المصدر : المدن